لقد ظل القادياني على مزاعمه المذكورة بأنه شبيه عيسى ومثيله، وذلك لأن
صفات عيسى قد تجسدت فيه وذلك إلى زمن غير يسير . ثم نلحظ فيه تطورا ً آخر
منذ عام 1901م تقريبا ً ، إذ أنه خطا خطوة أخرى في هذا المجال وادعى : أنه
هو المسيح الموعود حقا ً من دون ريب بالمعنى المذكور وأنه شبيه الأانبياء
لهذا السبب . وهذا الأمر يظهر لنا بوضوح في رسالة بعث بها إلى هيئة فكرية
وتعليمية في الهند وهي ( ندوة العلماء ) وذلك في عام 1902م . لقد جاء في
هذه الرسالة : فكما ذكرت مرارا ً أن الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق
القطع واليقين كالقرآن والتوراة . وأنا نبي وبروري من أنبياء الله. ويجب
على كل مسلم طاعتي في الأمور الدينية ويجب على كل مسلم بأني المسيح الموعود
. وكل ما سعته دعوتي فلم يحكمني 0 أي يتخذني حكما ً فيما شجر بينهم من
الخلافات ) ولم يؤمن بأني المسيح الموعود ، وبأن الوحي الذي ينزل عليّ من
الله هو مثول ومحاسب في المساء وإن كان مسلما ً . لأنه قد رفض الأمر الذي
وجب عليه قبوله في وقته . إنني لا أقتصر على قولي : إن كنت كاذبا ً لهلكت ،
بل أضيف إلى ذلك ، أنني صادق كموسى وعيسى وداوود ومحمد صلى الله عليه وسلم
. وقد أنزل الله لإثباتي وتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف . وقد
شهدني القرآن وحدد الأنبياء زمن بعثتي وهو هذا العصر الذي نعيش فيه . وقد
شهدني كذلك القرآن وحدد عصري ، وشهدتني السماء والأرض والأنبياء جميعا ً .
(2)
وبالإضافة إلى هذه العبارة ، فلدينا كتاب آخر ، طبع لأول مرة في عام
1903م وهو ( مواهب الرحمن ) الذي كرر فيه معظم ما زعمه
في رسالته المذكورة إلى ندوة العلماء . وإليكم أهم ما ورد في هذا الكتاب :
_____________
(1) مواهب الرحمن لمرزا غلام أحمد قادياني ص 39 ــ 50
(2) تحفة الندوة للقادياني ص 4
1- أعلم ان موضوع أمرنا هذا ، هي الدعوة التي عرضتها على الناس وقلت
أني أنا المسيح الموعود والإمام المنتظر المعهود ، وحكمني الله ( اي جعلني
حكما ً ) لرفع اختلاف الأمة ، وعلمني من لدنه ، لأدعوا الناس على البصيرة .
(1)
2- هل غضبوا على ما قلت : أن عيسى مات ، وأني أنا المسيح الموعود الذي
يحيي الأموات ؟ ولو فكروا في القرآن من غضبوا . ولو اتقوا لما تغيظوا . وأن
موت عيسى خير لهم لو كانوا يعلمون . وأن الله أعطاهم مسيحا ً كما أعطى
اليهود مسيحا ً ، ما لهم لا يفهمون . (2)
3- وأن ظهور المسيح من هذه الأمة ليس أمرا ً يعسر فهمه على ذوي الفطنة .
بل تظهر دلالته عند التأمل والمقارنة . أعني عند موازنة السلسلة المحمدية
بالسلسلة الإسرائيلية. ولاشك أن سيدنا محمد سيد الأنام وصدر الإسلام كان
مثيل موسى . فاقتضت رعاية المقارنة أن يبعث في آخر زمن الأمة مثيل عيسى .
وإليه أشار ربنا في الصحف المطهرة . فإن شئتم فكروا في سورة النور
والتحريم والفاتحة . هذا ما كتب ربنا الذي لا يبلغ مبلغ علمه العالمون .
فبأي حديث بعده يؤمنون ؟
وأنه جعلني مسيحه وأيدني بآيات كبرى . وعطلت العشار وترون القلاص لا
يركب عليها ولا يسعني. ورأيتم يا معشر الهند والعرب كسوف القمرين في رمضان
فبأي آيات ربكما تكذبان ؟ (3)
ومن الجدير بالملاحظة أن هذا التطور الأخير ليس بدعا ً ولام غيرا ً عن
تطوراته الأولى والثانية . بل هي الحلقة النهائية لنفس المزاعم . وذلك أنه
في هذه المرحلة الأخيرة لم يأت بشئ جديد ، بل إنما يؤكد كونه المسيح
بالتجسد . وفي المرحلة الاولى كان يعتبر نفسه مجرد مجدد ومهدي ، وفي
المرحلة الثانية ظن ـــ بإيحاء من بعض مريديه ـــ أنه شبيه عيسى ومثيله
وفق نظرية التجسد ، ثم صار هذا الظن والتخمين يقينا ً وتأكيدا ً في هذه
المرحلة النهائية . ولم يرتب أبدا ً في هذه المرحلة كونه مسيحا ً وفق نظرية
التجسد ، وبما أن المسيح عليه السلام كان نبيا ً ، زعم أنه هو الآخر يشبه
الأنبياء ، وإن لم يكن من الأنبياء حقيقة . وبالإضافة إلى هذا التأكيد
واليقين زعم أن الله أعطاه آيات وبينات ومعجزات منها خسوف الشمس والقمر في
رمضان لأجله على حد زعمه ، وأمور أخرى كثيرة . وكذلك توعد بالعقاب عند الله
كل من عارضه وعانده ، ثم طبق على نفسه كل الآيات القرآنية التي جاءت في
التنديد بالمشركين المعارضين للرسول عليه السلام وتهديدهم وإنذارهم بالعقاب
الشديد .
_____________
(1) مواهب الرحمن ص 12
(2) مواهب الرحمن ص 32
(3) نفس المصدر ص 33
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .