بعد حدوث التطور المفاجئ المذكور في حياة القادياني من جراء التجارب
الصوفية واحساسه الخاطئ أن الله أرسله هاديا ً ومهديا ً ومجددا ً ، قد حدث
كذلك تغيير في حياته الشخصية. لقد اعتاد القادياني في مستهل حياته ـــ منذ
أن كان موظفا ً صغيرا ًـــ العيش البسيط ، والعزلة والمعاناة من قلة
الموارد والزاد ، واصهاج حياة التقشف . ولكن التكطور المفاجئ في حياته
واتجاهاته قد أحدث تغييرا ً هائلا ً في حياته الشخصية وسلوكه الفردي . لأنه
لم يبق الآن رجلا ً منعزلا ً متقشفا ً زاهدا ً بسيطا ً في حياته بل صار
طامحا ً إلى حياة يقدسه الناس فيها ويقبلون عليه ويعجبون به ويقبلون يده
ويسيرون وراءه كالمواشي . وبهذا ازدادت أنصاره بين أهالي بنجاب ، وتحولت
حياته إلى شبه الحياة الكسروية .
يبدو أنه واصل في شطر من هذه الحياة جهادية ضد جماعة الآرية سماج
الهندوكية المذكورة وناظرها . وقد جرت أهم مناظراته مع زعيم هذه الطائفة
آنذاك وهو ( مردلي ظهر ) في عام 1886م. جمع هذه المناظرة كتاب سماه ( سرمة
جشم آريا ) أي ( كحل الآرية ).وقد أرود البحث في هذا الكتاب عن معجزة شق
القمر للرسول عليه السلام، وحاول اثباتها على ضوء العقل والنقل، ودافع عن
الرسول دافاعا ً مرايرا ً ، وحاول رد كيد المعاندين وتفنيد مزاعمهم بشتى
الأساليب والأدلة ، وأثبت بكل قوة أن المعجزات والخوارق ليست مستحيلة
الوقوع في هذا الكون ، بل أنها متوقعة في كل وقت . ويرجع إنكار الإنسان
لهذه الظواهر الشاذة إلى علمه المحدود وتفكيره الضيق وعدم إحاطته بجميع
النواحي أثناء تفكيره أو تخييله للأشياء . ولذلك يجوز جدا ً ألا يدرك
الإنسان أمورا ً كثيرة لا تدخل في إطاره الفكري ، ومن هنا لا يصح أبدا ً
إنكار مالا يعرفه الإنسان ولا يدركه بحال . وأن المعجزات والخوارق كلها
تدخل في هذا الإطار .
ومن الجدير بالذكر أن العلماء المسلمين في ذلك الوقت لم يعارضوا
القادياني مع أنه بدرت منه أمور كثيرة تستوجب النقد والإستنكار . والسبب في
ذلك أن العلماء قدروا جهوده في الدفاع عن الإسلام ومجادلته مع المبشرين
وطائفة الآية سماج . وظنوا ان مزاعمه كلها فيما يتعلق بالإلهام والوحي إنما
هي نوبات تنتاب بعض المتصوفين أثناء رياضتهم الصوفية الشاقة. وحسبوا أنه
حينما يعود إليه صوابه وتهدأ أعصابة ترجع الأمور كلها إلى نصابها .
ومن المعروف أن الهند أرض خصبة أصيلة للتصوف . لقد ظهرت المذاهب الصوفية
في الهند ولاسيما نظرية وحدة الوجود والرياضيات الصوفية الشاقة من خلال
كتاب ( اليوبانيشاد ) الذي ظهر قبل الميلاد بقرون .
ومن الهند أخذت هذه النظريات طريقها إلى مدرسة الأفلاطونية الحديثة في الأسكندرية . (1)
وأن المزاج الصوفي وتأملاته والإنطلاق في البحث عما وراء الوجدان مما
طبع عليه الهنود منذ العصور الغابرة . أن الموجات الثانية من الإسلام قد
حملها إلى الهند المتصوفون المسلمون من بلاد فارس (2) . فامتزج في الهند
التصوف الإسلامي بالتصوف الهندي الأصيل ، ثم تغلغل في نفوس المسلمون الهنود
وتأصل إلى أقصى الأعماق . ومن هنا باءت بالفشل كل الدعوات التي قام بها
بعض المسلمين ضد التصوف فيها ، ومن أهمها الحركة الوهابية التي حمل لواءها
طائفة أهل الحديث ، وحركة الشيخ أبي الأعلى المودودي في الأونة الأخيرة
التي لاقت ضربات قاسية من قبل المتصوفين وفشلت تماما ً في كسب الشعبية لها
من بين جماهير المسلمين في الهند وباكستان .
ومما يسترعي انتباهنا في هذا الصدد أن الشيخ أبا الحسن علي الندوي ذلك
الذي ألف كتابه ( القادياني والقاديانية ) باللغة العربية لم يثر ناحية
التصوف في حياة القادياني مطلقا ً ، وذلك لأنه هو الآخر من رجال التصوف ،
كما أنه لم يجترئ على نقد التصوف ولو كان على سبيل الحق خشية النقاد
الأحرار الذين يحاولون المساس بالتصوف مقتفين آثاره .
ومن ناحية أخرى فان النزعة المهدية التي ادعاها القادياني لم تكن طريقة
في تاريخ المسلمين . ولقد سبقه في هذا المجال عدد من الصوفية في العالم
الإسلامي وفي الهند على السواء .
ولقد سبق القادياني في الهند بالذات السيد محمد الجونبوري ( 847 ـــ
910هـ / 1413 ـــ 1504 ) ذلك الذي تبحر في العلوم الدينية في مستهل حياته
وواصل الجهاد ضد الكفار والمشركين ، وشارك مع السلطان حسين الشرقي في
الفتوحات الإسلامية . وفي نفس الوقت مارس الرياضات الصوفية وتوغل فيها إلى
الإعماق ، حتى ظهرت منه الخوارق والكرامات على حد مزاعم المعجبيت به ،
وادعى يوما ً من الأيام أنه رأى الله سبحانه وتعالى بعينه المجردة ، مما
أدي إلى مبادرة بعض العلماء الغيورين على الإسلام إلى تكفيره وإصدار حكم
الإعدام ضده . وكلن بعض الآخر من العلماء حال دون تنفيذ قرار الإعدام
وساعده على الفرار من قبضة العلماء إلى مدينة أخرى . ثم ادعى هذا الرجل في
عام 901هـ أنه هو المهدي الموعود وكلف من الله سبحانه بهداية البشرية .
وقد التف حوله آلاف من المسلمين الجهلاء معجبين به ومسلمين إليه زمامهم ،
حتى دعا الأمر مرة أخرى إلى إصدار حكم الإعدام عليه من قبل العلماء نظرا ً
لخطورة الموقف بعد استفحال الفتنة التي أثارها بين صفوف
المسلمين،والأباطيل التي آمن بها ودعا إليها الناس . ولكنه لم يتمكن من
الفرار هذه المرة من قبضة الأبرار بل قتل في عام 910هـ . ولكن الفتنة التي
أشعل نيرانها لم تخمد من جراء موته ، بل التهبت وهاجت على أيدي أتباعه
الذين آمنوا بيه وقدسوه ووضعوه فوق القمة أيمانا ً منهم بأنه كان المهدي
الموعود بالحق . يرى المؤرخون أن هذه الجماعة أصبحت فيما بعد قليلة شاذة في
المجتمع الإسلامي الهندي ، وشابهت القرامطة في أمور كثيرة ولكنها في نفس
الوقت آمنت بالجهاد ضد الكفار والمشركين واشتركت في مهمات عسكرية كثيرة
واصلها الملوك المسلمون . (3)
_____________
(1) انظر للتفصيل كتابنا ( الهند القديمة حضارتها وديانتها ) المطبوع في مؤسسة دار الشعب بالقاهرة .
(2) انظر كتابنا ( تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية ) المطبوع بدار الفتح ببيروت
(3) انظر للتفصيل : تاريخ محمد طاهر الفتني للأستاذ أبو ظفر الندوي ( باللغة الأردية )
وهكذا لعب التصوف الإسلامي دورا ً كبيرا ً في زرع عقيدة المهدي الموعود
والحي والإلهامات الزائفة في قلوب المسلمين وحملهم على الخرافات والأوهام
مثل كرامات الأولياء والخوارق ، تلك الظواهر الشاذة التي لم يزل يمارسها
اليوجيون الهندوس في كهوفهم وأديارهم على الجبال والغابات . ولم تزل تظهر
على أيديهم خوارق وكرامات نتيجة لرياضاتهم وإتقانهم أعمال اسحر والشعوذة
والتنويم المغناطيسي وما إلى ذلك .
ومما يدل على عمق تأثير التصوف في قلوب المسلمين أن الإمام الشاه ولي
الله الدهلوي ( 1114 ـــ 1176هـ / 1703 ـــ 1762م ) ـــ ذلك الذي يحتل
مكانة كبرى في مجال السنة والشريعة بفضل كتبه العظيمة ، ولاسيما بسبب كتابه
العظيم ( حجة الله البالغة ) وهو الآخرآمن به ومارسه ودافع عنه وترك فيه
مؤلفات تعبر عن تجاربه الشخصية وانطباعاته الذاتية في هذا الميدان تلك التي
يعسر علينا فهمها ، ويدهشنا كلامه الآتي في نصرة التصوف والدعوة إليه :
1- ليس منا من لم يتدبر كتاب الله ولم يتفهم حديث نبيه صلى الله عليه
وسلم . وليس منا من ترك ملازمة العلماء ن أعنى الصوفية الذين لهم حظ من
الكتاب والسنة ، أو الراسخين في العلم الذين لهم حظ من التصوف أو المحدثين
الذين لهم حظ من الفقه ، أو الفقهاء الذين لهم حظ من الحديث . أما الجهال
من الصوفية والجاحدين للتصوف فأولئك قطاع الطرق ، ولصوص الدين فإياك
وإياهم .. (1)
2- ( رأيت نفسي في المنام قائم الزمان ) ـــ بقصد به أن الله سبحانه لو
أراد أن يكون الدهلوي مقيم الشريعة الإسلامية وحامل لواء التجديد ومجدد
الملة في عصره .
3- ومن نعم الله عليّ ـــ ولا فخر ـــ أن جعلني ناطق هذه الدورة ( أي الزمن ) وحكيمها ، وقائد الطبقة وزعيمها . (2)
وهكذا سار الإمام الدهلوي على درب العلماء الهنود في الإعجاب بالتصوف
والخوص في بحار تجاربه ورياضاته . ثم سلك طريق الدهلوي كل العلماء اليهود
عدا أولئك الذين يسمون أنفسهم بأهل الحديث أو الوهابين ولكنهم قليلون في
موج سكان الهند الكبرى ( أي الهند وباكستان ) . في هذه اللحظة أصبح كل من
التصوف والمذهب الحنفي شعار مسلمي الهند الكبرى ودئارهم . وكل صوت يسمع في
هذا البلد عدا الصوت الصدار ضد التصوف والتقليد لمذهب أبي حنيفة . ومن هنا
كتب الفشل لدعوة الشيخ أبي الأعلى المودودي التي ارتفع صوتها ضد التصوف
والتقليد في بادئ الأمر .
وفيما يتعلق بالقاديانية فإن مزاعمه بأنه هو المهدي الموعود ، أو أنه
مجدد كلفه الله بالقيام بأمر التجديد في الإسلام لم يكن جديدا ً في أوساط
المجتمع الإسلامي ، إذ أنه سبقت دعوات عديدة فيه من هذا النوع. ومن هنا لم
يبادر العلماء إلى معارضته والنكير عليه ومهاجمته أو تكفيره . بل تركوه في
شأنه ، لأنه ــ لأنه على الرغم من كل هذه المزاعم ـــ يقوم بجهاد ضد
المبشرين والطايفة الهندوكية المسماة بالآرية سماج .
_____________
(1) التفهيمات الإلهية 2/202 .
(2) نفس المصدر السابق
التطور الثاني في مزاعم القادياني
لقد كان التطور الأول في القادياني ـــ كما ذكرنا ـــ أنه المجدد أو
المهدي كلفه الله بالقيام بمهمة التجديد في الإسلام ، وأن الله يلهمه
ويبشره في لغات عديدة : العربية والفارسية والأردية والإنجليزية ، وسجل كل
ما أوحى إليه ـــ على حد زعمه ـــ في كتابه ( براهين أحمدية ) ، الذي صدر
في خمسة أجزاء، وقد ظل على هذه الدعوى حتى عام 1891م. ثم طرأ عنصر مفاجئ في
حياته الفكرية والتأملية.
ومن الجدير بالذكر أنه قد كثر اتباعه ومريدوه في ولاية بنجاب المتخلفة
دينا ً في تلك الأونة ، وذاد تقديسهم أو اعجابهم به إلى أقصى الحدود .
وبهذا يقدس كل زعيم صوفي في الهند الكبرى في كل العصور ، تلك الظاهرة
المدشة التي لا نجد لها تشابها ً في البلاد العربية موطن الإسلام الأول
وهذا الأمر يتجلى بوضوح في رسالة بعث بعث بها رجل من مريديه يسمى ( الحكيم
نور الدين ) سأله فيها : " ما المانع من أن يكون قداستكم مثيل المسيح أو
شبيهه ؟ ولماذا لا يدعى بذلك ، لأنه قد جاء في كتب الآثار أن المسيح سوف
ينزل في دمشق . وأي ضرر سيلحق بالإسلام إذا كان ظهوره في الهند ؟ فقد رد
عليه القادياني في رسالته إليه قائلا ً : فليعلم الأستاذ الكريم ، ان هذا
العاجز الحقير ( يقصد نفسه ) ليس في حاجة أن يكون مثيلا ً للمسيح ولا شبيها
ً له. لأن كل هدفي وهمي في حياتي أن يدخلني الله في عباده المخلصين
المطيعين المتواضعين " (1)
يبدو لنا من خلال دراستنا لحياة القادياني النفسية أنه ـــ على الرغم من
امتناعه عما دعا إليه مريده ـــ فقد ساورت الشكوك نفسه في هذا الشأن وأعاد
التفكير فيه ، ثم خدعته تجاربه الصوفية على ضوء نظرية الوجود ، فانكشف عنه
كما ينكشف على كثير من اليوجيين أنه فعلا ً فوق جميع البشرية وأنه شبيه
بالمسيح ومثيل له . ومن هنا أعلم في عام 1891م أو 1892م أن الله بعثه مثيلا
ً للمسيح وشبيها ً له في رسالته . لقد كرر هذه الدعوة مرات عديدة حتى عام
1896م . ولقد ألف خلال هذه الفترة كتبا ً عديدة مثل : فتحا لإسلام ، وتوضيح
المرام ، وإزالة الأوهام وأورده فيها ادعائه الجديد .
وفي كتاب ( مكتوب أحمد إلى العلماء ) الذي صدر لأول مرة في عام 1896م
ذكر فيه بصراحة بأنه مجدد ويحمل مزايا المسيح وصفاته . وإليكم بعض ما جاء
في هذا الكتاب :
1- أن الله قد بعثني مجددا ً على رأس هذه المائة وجعلني عبدا ً مخصوصا ً
له للقيام بأعمال المصالح العامة ، وأعطاني علوما ً ومعارف تستوجب إصلاح
هذه الأمة ، ووهب لي من لدنه علما ً حيا ً لإتمام الحجة على الكفرة الفجرة ،
وأعطاني ثمارا ً غضة طرية لتغذية جياع الأمة ، وكأسا ً دهاقا ً لسقي عطاش
الهداية والمعرفة ، وجعلني إماما ً لكل من يريد صلاح نفسه ، ويحب مرضاة
ربه، وجعلني من المكلمين الملهمين .
_____________
وأكمل على نعمه وأتم فضله ، وسماني المسيح بن مريم بفضله ورحمته ، وقدر
بيني وبينه تشابه الفطرة كالجوهرين من المادة الواحدة ، ووهب لي علوما ً
مقدسة نقية ، ومعارف صفية جلية ، وأعلمني ما لم يعلم غيريمن المعاصرين ،
وصب في قلبي ما لم يحيطوا به علما ً ونورا ً لم يمسه أحمد منهم وجعلني من
المنعمين . (1)
2- فذلك خاتم رب العالمين ، وفيه إشارة إلى أنه جعلني لهذه الملة مجدد
الدين . ولا يقبل العقل السليم أن يصمت الله الغيور عند هذه الفتن العظيمة
حتى لا يبعث مجددا ً على رأس هذه المائة.أتطمئن قلوبكم بأن يرى الله هذه
البلايا تنزل على الامة الضعيفة ؟ ثم لا يتوجه إلى دفعها ولا لإزالها عند
كمال هذا البلاء ؟ وتسب ذراري الشيطان أولياء الرحمن فرحين مطمئنين . ألا
تنظرون : كيف بلغت غشاوة الجهل متنهاه ؟ وكيف نسيت كل نفس عقباها ؟ إلا
التي حفظها الله وحماها . ألا تشاهدون كيف زادت الملل الضالة طغواها ؟ ووقع
الفتور في سفينة الحق ومجراها ومرساها ؟ ألا يصرخ الوقت لظهور مجدد الدين ؟
ألم يأن للذين ظلموا أن ينصروا من رب العالمين ؟ أتنتظرون وقت استئصال
الإسلام ؟ وقد وصل إلى شفا حفرة دين سيد الأنام ؟ ما لكم لا تغتنمون
كالمواسين ؟ (2)
إن هذه النصوص تشير إلى ظنه أن الإسلام يمر بأخطر المراحل وأسوئها في
أيامه. وأن الظلام طبق على دنيا المسلمينمن كل جانب ، ووقع المسلمون فرسة
لأنواع البدع والضلال والأوهام، وتناسوا الدين وتركوا العمل به ، ووصل
الأمر إلى مرحلة خطيرة ، ولو لم يتم تداركها بسرعة لتستأصل شافة الإسلام
ويطمس وجوده عن وجه الأرض. وفي مثل هذه الظروف الحرجة فقد جرت سنة الله
تعالى أن يرسل مجددا ً على رأس كل قرن ، فإن قرنه هذا في انتظار شديد لمجدد
. وها هو ذا مرزا غلام أحمد القادياني قد جاء في موعد مع القدر لهداية
البشرية وإرشادها وإنارة قلوبها . فهو في الحقيقة بثابة المهدي الموعود ،
ويحمل نفس رسالة المسيح عليه السلام التي تنير العالم بوحدانية الله ،
وتبعد الظلام الحالك من دنيا الشرك ، ويعيد إلى الإسلام صفاؤه ونوره وقوته
ومجده . وهذا ما يريد القادياني التعبير عنه في هذه النصين المذكورين .
ثم يزعم أن الله قد منّ عليه وأغدق عليه نعمه ظاهرا ً وباطنا ً واصطفاه
لأداء هذه المهمة ، وأعطاه نورا ً وضاء ً ، ورزقه علوما ً ومعارف ، وأعطاه
ما أعطى لكل عباده المخلصين المختارين من الأولياء ، وصفى قلبه وشرح صدره ،
وجعله كالقمر في ليلة البدر لينعكس عليه نور الله وتجلياته ، وأخرجه من
كثافة الظلام الحالك لهداية البشرية . وفي ذلك جاء قوله :
1- ومن أجل آلائه على أنه استودعني سره الذي لا يكشف إلا على الأولياء
والروح التي لا تنفخ إلا أهل الإصطفاء ، وأعطاني كل ما أعطى لأهل الموالاة
والولاء ، ووافاني ، وشرح صدري وأتم بدري، وأخبرني بأكثر ما هو مزمع عليه
في سابق علمه وصبغني . بصبغة حبه وهداني طريق أسلامه وسلمه وأخرجني من
المحجوبين . (3)
_____________
(1) مكتوب أحمد إلى العلماء ص 16 الطبعة الرابعة بربوة 1959م .
(2) نفس المصدر ص 59 .
(3) مكتوب أحمد ص 6 ــــ 7
2- ثم يزعم أن الله أوحى إليه الأمور الآتيه :
ومن آلائه أنه خاطبني وقال : أنت وجيه في حضرتي ، اخترتك لنفسي ، وقال :
أنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق . وقال : أنت مني بمنزلة توحيدي وتفريدي .
وقال : يا أحمدي ، أنت مرادي ومعي . يحمد الله من عرشه. وقال : أنت عيسى
الذي لا يضاع وقته ، كمثلك در لا يضاع ، أجراك الله في حلل الأنبياء ( لعله
يقصد : لعثك الله في حلل الأنبياء ، لأن عيسى نبي ) ، وقال : اصنع الفلك
بأعيننا ، إن الذين يبايعونك ، إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم .
وقال : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . (1)
ويظن كذلك أن جهاده ضد المبشرين والقساوسة الهندوس ـــ كما ذكرنا من قبل
ـــ قد جاء بينة على أنه مجدد وشبيه المسيح ومثيله ، متناسيا ً جهود
العلماء الهنود الأبرار ، من المعاصرين له الذين كانوا أكثر منه قوة وعلما ً
وأصالة ونجاحا ً في المناظرة مع هؤلاء كما أسلفنا ذكرهم . يقول القادياني
في هذا الصدد :
3- ومن ألائه أنه رأى القسيسين في غاية الفساد ، وراءهم قد علوا في
البلاد ، فأرسلني عند طوفان فتنتهم ، وتراكم دجنهم ، وقال : إنك اليوم
لدينا مكين أمين ، فجئت من حضرة العزة وعتبة الوحدة ، عند شيوع الفتن
والبدع ، وظهور المفاسد والسيئات وضعف حال المؤمنين المسلمين .
وقد جرت عادة الله الرحيم ، وسنة المولى الكريم أنه يبعث مجددا ً على
رأس كل مائة ، فكيف إذا كان معها طباق ظلمة وطوفان ضلالة ؟ أليس الله أرحم
الراحمين ؟ ألا ترون الناس كيف سقطوا في هوة النصارى ، وكيف تمايلوا عليهم
كالسكارى ؟ وكيف خرجوا من دين الله المتين ؟أسمعهم من جاءكم من دوني لإصلاح
هذه الآفات أو تظنون أنه في هذه الأمةعند تلك الصدمات ؟ ما لكم لا تتفكرون
؟ وتنظرون ثم لا تنظرون . (2)
لقد قلنا : أنه ادعى في التطور الثاني من مزاعمه أنه مشابه المسيح
ومماثله . وينبغي لنا الآن أن نعرف بالتحديد قصده من القول . وإليكم ما
أورده واضحا ً بينا ً في هذا الصدد :
فكلمني وناداني وقال 0 أي الله ) : إني مرسلك إلى قوم مفسدين . وإني
جاعلك للناس إماما ً ، وإني مستخلفك إكراما ً مني كما جرت سنتي في الإولين .
وخاطبني قائلا ً : إنك أنت مني السيح بن مريم . أرسلتك لتتم ما وعد ربك
الأكرم من قبل . إن وعده كان مفعولا ً ، وهو أصدق الصادقين .
_____________
(1) مكتوب أحمد ص 7 ـــ 8
(2) مكتوب أحمد : ص 8
وأخبرني : أن عيسى نبي الله قد مات ، ورفه من هذه الدنيا ، ولقى الأموات ،
وما كان من المراجعين ، بل قضى الله عليه الموت وأمسكه ، وواقاه الأجل
وأدركه ، فما كان له أن ينزل إلا ( بروزا ) كالسابقين . وقال سبحانه : إنك
أنت في حل البروز . وهذا هو الوعد الحق الذي كان كالسر المرموز . فاصدع
بما تؤمر ولا تخف سنة الجاهلين . وكذلك جرت سنة الله في المتقدمين . (1)
ونجده هنا يستخدم لأول مرة كلمة ( البروز ) وهي ـــ في نظر الشاعر
الفيلسوف محمد أقبال ـــ تدل على التقمص أو التجسد أو نظرية ( الأوتار )
الهندوكية المشهورة كما سنشرحها فيما بعد . وهنا يتضح لنا تشبيهه نفسه
بالمسيح : أن المسيح عليه السلام قد مات كأي إنسان في هذا الكون ، ولن يعود
أبدا ً ، وإذا عاد فإنما يعود في صورة التجسد ، أي تتجسد صفاته وخصائصه أو
روحه في جسد إنسان آخر لأداء رسالته الملقاة على عاتقه حينما بعثه الله
رسولا ً على بني إسرائيل . ويقصد بذلك بالتبع أن القادياني ما هو إلا فرد
من البشر إلا أن صفات المسيح وأهدافه أو روحه ــ بمعنى أدق وفق نظرية
الأوتار ـــ تجسدت فيه ليلعب دوره في هذه الدنيا ، وهو هداية البشرية
وإرشادهم إلى الطريق المستقيم.
ويقول في موضع آخر : أن النزول وفق نظرية التجسد ليس بديعا ً أو
مستغربا ً . بل هو ثابت قد اعترفت به الصحف السماوية السابقة . لكنه لم
يحدث ولم يثبت مطلقا ً حتى الآن أن أحدا ً نزل من السمل نزولا ً ماديا ً
على مرأى الناس . ولعله يقصد بذلك أن المسيح عليه السلام قد مات ، ولم ينزل
من السماء نزولا ً ماديا ً يشاهده الناس . وهذا أمر مدهش لم يسبق له مثيل
في أي عصر من العصور ولم يعترف بذلك كتاب من الكتب السماوية . وفي ذلك
قوله :
" ولا يختلج في قلبك أن العلماء ينتظرون نزول المسيح من السماء . فكيف
نقبل قولا ً يخالف قول العلماء ؟ فإن وفاة المسيح ثابت بالآيات المحكمة
القاطعة والآثار المتواترة المتظاهرة ( يقصد بذلك النص القرآني ) . فالأمر
الذي ثبت بظاهر الأحاديث والقرآن واليقين والبرهان لا يبلغ مبلغه أمر يؤخذ
من ظنون ، ولا يؤخذ من سبيل اليقين . وأما قول العلماء فلا يخلوا من لمسة
يد الإنسان ( يقصد بذلك اجتهادهم ) فألأمن كل الأمن في قبول أمر ظاهر ثابت
بالحديث والفرقان ، والعقل والوجدان ، وتكون له نظائر في كتب الأولين .
فإن النزول على طريق البروز قد سلم ( أي أمر مسلم به ) في الصحف السابقة
. وأما نزول أحد بنفسه من السماء فليس له نظير في الأزمة الماضية . (2)
وهنا تيضح أن يحمل كل ما جاء عن عيسى عليه السلام في القرآن والحديث على
أنه توفى كما يتوفى أي بشر ، لأنه هو الآخر بشرا ً ، ولم يرفع إلى
السماء رفعا ً ماديا ً ، بحيث سينزل إلى الأرض نزولا ً ماديا ً على مرأى من
الناس ، ويتمكن من رؤية نزوله كل الناس ، بل الفع والنزول كلاهما كنايات
وإشارات . ولا يقصد بذلك إلا رفع روحه إلى السماء ، أو رفع درجاته عند الله
، ثم نزوله متقمصا ً في أحد .
_____________
(1) مكتوب أحمد ص 9
(2) مكتوب أحمد : ص 35
ويحاول اثبات دعواه من خلال ما جاء عن عيسى عليه السلام . إذ سأله
اليهود عن نزول ( إيلياء ) وهو أحد الأنبياء لهم فلجأ عيسى إلى التأويل عند
شرحه لكلمة النزول ، واستخدم الإستعارات والكنايات ، ولا يصرح بالقطع أن
إيلياء ينزل من السماء نزولا ً حقيقيا ً . ولكن اليهود أخذوا بظاهر النصوص
في أمر إيلياء ، ولم يلجئوا إلى التأويل كما لجأ إليه عيسى . ومن هنا كفروا
عيسى ورموه بالكذب واتهموه بالإلحاد . ولكن الله كان مع عيسى ولذلك غضب
على اليهود وأنزل عليهم لعنته وسخطه . (1)
ويحاول من خلال هذا الكلام اثبات دعواه : بأن المسيح هو الآخر لم يؤمن
يوما ص من الأيام بأن أحدا ً من الأنبياء يرفع إلى السماء ، ثم ينزل إلى
الأرض نزولا ً حقيقيا ً ، فما بال العلماء المسلمين يؤمنون بهذه العقيدة
فيما يتعلق بالمسيح تلك التي رفضناها رفضا ً قاطعا ً ، ثم يصرون على أنه
ينزل من السماء نزولا ً حقيقيا ً ضاربين بذلك ما جاء من النصوص القرآنية
والأحاديث النبوية عرض الحائط . ثم يؤكد قوله قائلا ً : وأقبلوا ما قاله
عيسى من قبل وفي ذلك الحين . أن مثل نزول عيسى في هذا الوقت الأعمى ( أي
العصيب ) كمثل نزول إيلياء في مضى . فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولا
تختاروا سبل الأشرار ، ولا تخالفوا ما بين الله على لسان النبيين . (2)
ويقول فيما يتعلق بالأحاديث التي تذكر نزول عيسى من السماء وتحديد مكان
النزول وهو دمشق وما إلى ذلك من الأمور : وأما ما جاء في حديث خير الأنبياء
من ذكر دمشق وغيره من الأنبياء ، أكثره استعارات ومجازات من حضرة الكبرياء
، وتحتها أسرار في حلل لطائف الإيمان كما مضت سنة الله في صحف السابقين .
ثم من الممكن أن ينزل في ساحة دمشق أحد من أتباعنا المخلصين . (3)
وفيما يتعلق بقول الله عز وجل " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ " (4). يرى أنه توفى كما يتوفى أي انسان ، ورفع إلى السماء
على سبيل الإستعارة . وليس في هذه الآية ما يدل على أنه سيستكمل عمره وذلك
بالنزول إلى الأرض واستكمال رسالته فيها . وإليكم ما أورده في هذا الصدد : "
وما جاء في الحديث لفظ النزول من السماء ليرتاب أحد من المرتابين . أو لم
تكفكم في موت المسيح شهادة الفرقان وشهادة نبينا المصطفى رسول الرحمن ؟
فبأي حديث تؤمنون بعدها يا معشر الإخوان ؟ ما لكم لا تتفكرون كالمحققين .
أعندكم سند من الله ورسوله خير الورى في معنى التوفى الذي جاء في القرآن
الكريم ؟ . فأنتم ( أي هل أنتم ) تتكئون على ذلك السند أو تسلكون سبل التقي
أم تأولونه من عند أنفسكم ومن الهوي ؟ فأن كان سند فأخرجوه لنا إن كنتم
صادقين ، ولكنكم لن تستطيعوا أن تأتوا بسند . وإياكم والتفسير بالرأي ولا
تتركوا الهدى فتتؤخذون من مكان قريب ولا يبقى لكم عذر ولا حجة أخرى . فما
لكم لا تخافون الدين .
_____________
(1) مكتوب أحمد ص 35
(2) مكتوب أحمد ص 36
(3) نفس المصدر السابق
(4) آل عمران 3/55
وأما نحن فما نقول عن معنى التوفى إلا ما قاله خير البرية ، وأصحابه
الذين أوتوا العلم من منبع النبوة . وما نقبل خلاف ذلك رأي أحد ولا قول
قاتل إلا ما وافق قول الله وقول خير المرسلين .
وإذا حصحص الحق في معنى التوفى على لسان خاتم النبيين ، وثبت أن التوفى
هو الأمانة والإناء ، لا الرفع والإستبقاء ـــ كما هو زعم المعارضين ـــ
فوجب ان نأخذ الحق الثابت بأيدي الصدق والصفاء ، ولا نبالي قول السفهاء
والجهلاء ونأول كا ما خالف الأمر الثابت بالنصوص والبراهين ، ولا نقدم
الظنون على اليقين ، ولا تؤثر الظلمة على النور ، ولا قول المخلوق على قول
الله عالم الأسرار . انترك البينات للمتشابهات ؟ أو نضيع اليقينيات
للظنيات ؟ ولن يفعل مثل هذا إلا جهول أو سفيه من المتعصبين .
إلا ترى أن نزول المسيح عند منارة دمشق ( يقصد ما جاء في الأحاديث عن
الرسول ) يقتضي ان ينزل هو بنفسه عند تلك البقعة . وذلك غير جائز بالنصوص
القاطعة المحكمة . ولا شك أن اعتقاد نزول المسيح عند ذلك المكان، يخالف
أمر موته الذي يفهم من بينات نصوص القرآن ولأجل ذلك ذهب الأئمة الأتقياء
إلى موت عيسى ، وقالوا : أنه مات ولحق الموتى كما هو مذهب مالك وبن حزم
والإمام البخاري وغير ذلك من أكابر المحدثين ، وعليه اتفق جميع أكابر
المعتزلة .
وقال بعض كرام الأولياء أن حياة عيسى ليست كحياة نبينا ، بل هو دين حياة
ابراهيم وموسى ، فأشار إلى أن حياته من جنس حياة الأنبياء ، لا كحياة هذا
العالم ، كما هو زعم الجهلاء . وأعلم أن الإجماع ليس على حياته ، بل نحن
أحق أن ندعي الإجماع على مماته ، كما سعت آراء الأولين .
ونعلم أن أكثر أكابر الأمة يذهبون إلى موته بالصراحة ، والآخرون صمتوا
بعدما سمعوا قول أولئك الأئمة . وما هذا إلا الإجماع عند العاقلين .
ثم تعلم أن كتاب الله قد صرح بهذا البيان . فمن خالفه فقد ما ورد ، ولا
نقبل إجماعا ً يخالف القرآن . وحسبنا كتاب الله ولا نسمع قول الآخرين .
ومن فضل الله ورحمته أن الصحابة والتابعين والأئمة الآتين بعدهم ذهبوا
إلى موت عيسى . وراءه نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بين أنبياء
ماتوا ودخلوا دارا ً اخرى . ورؤيته ليست بباطلة ، بل هي حق واضح وكشف من
الله الأعلى .
فمالك لا تقبل شهادة الرسول المقبول ؟ ولا تقبل شهادة القرآن ، وترضى بالقول المردود كالجهول ؟ ولا تنظر بعين المحققين ؟
ثم لا يمكن لأحد أن يأتي بأثر من الصحابة أو حديث من خير البرية ، في
تفسير لفظ التوفى بغير معنى الأماتة . ولا يقدرون عليه أبدا ً ، ولو ماتوا
بالحسرة . فأي دليل أكبر من ذلك لو كان في قلبهم مثقال ذرة من الخشية ؟ فإن
بحث الوفاة والحياة أصل مقدم في هذه المناظرات . فلما حصحص صدقنا في الأصل
ما بقى بحث في الفروع ، بل وجب أن نصرفها إلى معنى مناسب معنى الأصل كما
هو طريق الأمانة والعدل . ولن نقبل معاني تنافي الأصل وتستلزم النقائض ، بل
نرجعها إلى الأصل المحكم كالمحققين .
وأنتم تعلمون أن صحيح الإمام البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله الفرقان .
وقد جاء فيه أن المسيح يضع الحرب ، ففكروا بالإمعان .فإن هذه الفقرة
وأمثالها تشفيكم وتزيل شكوك القلب لأنها تدل على أن المسيح لن يحارب الناس ،
بل يفحم الأعداء ويزيل الاوهام ، والوساوس ويأتي بكلمات حكيمة وآيات
سماوية . (1)
ثم يرجع القادياني إلى المعاجم العربية لشرح كلمة ( متوفيك ) . ويقول :
ومن العلماء من يقول : أن لفظ التوفي قد يجيء في لسان العرب بمعنى
الإستيفاء . وهو المراد هنا في كلام حضرة الكبرياء . وإذا طلب منهم المسند
فلا يأتون بسند من الشعراء . وقد كفروا بمعنى بينة خاتم الأنبياء . وما
أتوا بمعنى أبلغ منه عند الفصحاء وما أثبتوا دعواهم بل نطقوا كالعامين .
(2)
ثم يخطو خطوة جديدة في هذا المجال ويشرح رسالته كمتجسد في روح المسيح
قائلا ً : وتعلمون أن فتن النصارى وغلوهم في الخزعبلات كانت تقتضي حكما ص
من رب العالمين. فالله الذي نجا المسيح من صلب اليهود ورفعه إلى المقام
الأعلى ، ثم أراد أن ينجيه من صلب النصارى مرة أخرى. فأرسلني حكما ً عدلا ً
لهذه المهمة وسماني بإسمه لأكسر الصليب وأتم ما بقى منه من فرائض النصيحة .
فكل ما أفعل كان عليه ( أي على المسيح ) لو كان على قيد الحياة . وكذلك
قدر علام الغيوم . فجئت بعده على مقدار ما جاء ، بعد موسى . وأن في ذلك
لآية لأولي النهى .
ومن آيات الله أنا أخفى في الحروب التي يتكون منها اسمي وصفي كاملا ً .
وإن شئت فكر في ( غلام أحمد قادياني ) ، وفيه إشارة إلا أنه جعلني
لهداية الملة كجددا للدين . ولا يقبل العقل السليم أن يسكت الله الغيور عن
هذه الفتن العظيمة ولا يبعث مجددا ً على رأس هذه المائة . (3)
أن نصوص القادياني كلها تدل بوضوح على أنه كان على علم تام بوظيفة سيدنا
عيسى ومهامه كما وصفتها كتب الأحاديث . وهي أن عيسى لن يأتي بشريعة جديدة ،
بل إنما يطبق شريعة رسولنا محمد عليه السلام ، وسيكون حجة على من اتخذه
إلها ً من دون الله ونسبوا إليه الأكاذيب والإفتراءات. وعلى ضوء هذا الوصف
لا يمانع القادياني أن يكون هو نفسه المسيح الموعود عن طريق التجسد .
وحينئذ لا تعدو وظيفته أن يكون مجدد الدين المحمدي لعصره .
_____________
(1) مكتوب أحمد ص 37 ـــ 40
(2) مكتوب أحمد ص 47
(3) مكتوب أحمد ص 59
وبما ان القادياني يرى نفسه المسيح الموعود المتجسد فإنه يحاول أن يطبق
على نفسه كل العلامات التي ذكرت عن عيسى في الآثار المنسوبة إلى الرسول
عليه السلام . وفي ذلك قوله المراد : المراد بالردائين الأصفرين اللذين
يرتديهما عيسى ( كما جاء في الحديث ) علتان أعلتهما . لأنني أعاني من علتين
. أحدهما في مقجم جسمي وهو الدوار الشديد الذي يضعف دوران الدم في القلب
وأخشى به على نفسي ، وثانيهما في أسفل جسمي وهي كثرة البول الذي تسمى (
الذيابطسي ) . (1)
ثم يؤكد القادياني وفاة عيسى ويحدد مثواه الأخير : مات ودفن في أرض
قريبة من هذه الأقطار ( يقصد بلده ) وقبره موجود في ( سرى نغر ) أي
عاصمة كشمير إلى هذا الزمان ، وهو مشهور بين العوام والخواص ، والناس
يذهبون لزيارة هذا القبر ويتبركون به. فاسألوا العارفين إن كنتم
مرتابين.(2)
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .