الكشف هو أمر اخترعه المتصوفة و أسموه "الكشف الروحاني"، و معناه عندهم هو رفع الحجب من أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم بعض الأسرار الروحانية أو الغيبية. و يكون الكشف في غالب الأحيان أثناء اليقظة التامة، و أحياناً يحصل الكشف الروحاني أثناء المنام.
كشف الاتصاف بصفات الألوهية بالغَ بعض غُلاة المتصوفة في ادعاء الكشف بما لا يجرؤ على القول به إلا الزنادقة، كما هو مسطر في كتبهم بأقلامهم، وكما تبين ذلك من خلال نظرتهم إلى أقطابهم و أبدالهم في حالة رفع الحجب عنهم واتحادهم بالله ورفع الكلفة بينهم وبين خالقهم. و عتاة هذه الدعوى ابن عربي وعبد العزيز الدباغ والبسطامي والمرسي وغيرهم، و دعوى الكشف كانت من باب التمهيد لما هو أفحش منها، وهو ادعاء الاتصاف بالله والأخذ عنه مباشرة.
و مثال ذلك ما ادعاه الميرزا غلام أحمد القادياني حين قال في كتاب البرية (ص 102-103((رأيت في إحدى رؤاي أنني أنا نفسي الله. و كنت متأكداً أنني أنا هو. و أنه لم يبق من مشيئتي و إرادتي و افعالي البشرية شيء. و كأنني أصبحت مثل المنخل أو كأن كياني اندمج داخل كيان آخر بحيث يختفي الكيان الأول داخل الكيان الجديد و لا يبقى للكيان الأول أي أثر أبداً. و في هذه المرحلة رأيت أن روح الله المقدسة قد دخلت في كياني وصار الله يسيطر على جسدي و اندمج كياني مع كيان الله حتى لم يبق مني جزيء بشري واحد.... إلخ)).
فيبدو أن الميرزا قد أعجب بكلام ابن عربي و الجيلي عن وجود الإنسان الكامل المتصف بصفات الله – سبحانه. و قد ألف الجيلي كتابه "الإنسان الكامل" الذي يقصد به الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اتصف حسب تقرير الجيلي بصفات الله تعالى، وبصفات أقطاب التصوف أحياناً؛ حيث يظهر في صورة أى شيخ منهم كالشبلي والجبرتي وغيرهما في زمنهم وفي غير زمنهم. و قد قلد الميرزا غلام هؤلاء حيث يقول في كتابه كرامات الصادقين ج7 ص129: ((و قوائمه – يعني العرش – أربع، ربوبية و رحمانية و رحيمية و مالكية يوم الدين، و لا جامع لهذه الأربع على وجه الظلية إلا عرش الله تعالى و قلب الإنسان الكامل)).
كشف الأسرار الباطنية لعلوم الشريعة و من الصوفيين من ادعى أنه يكشف له عن معان جديدة في القرآن والسنة والآثار والرسوم لا يعلمها علماء الشريعة، الذين سموهم علماء الظاهر والقراطيس؛ لأنهم أي علماء الشريعة إنما يعتمدون في نقل تلك المعاني من القرآن والسنة على موتى، وأما هم فإنهم يأخذونها عن طريق الكشف، فيلتقون بالرسول (ص) أو الله –سبحانه - من خلال الكشف الروحاني. و مثال ذلك ما قاله ابن الميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب سيرة المهدي رواية رقم 572: ((قال حضرته – ميرزا غلام – بلسانه المبارك أكثر من مرة: إني لاقيت الرسول صلى الله عليه و سلم في اليقظة مرات عديدة، و قد حصلت منه مباشرة على تصديق لبعض الأحاديث التي هي عند الناس ضعيفة أو أقل درجة من ذلك، و هناك أحاديث يعتبرها المحدثون ضعيفة و في الحقيقة هي صحيحة لا غبار عليها)).
و مثال آخر هو ما قاله الميرزا غلام أحمد القادياني أنه رأى الله سبحانه في اليقظة متمثلاً بالبشر، يقول الميرزا ((لقد رأيت الله متمثلاً في الشكل الإنساني، فقال الله تعالى لي واضعاً يده على رقبتي: "لو كنتَ لي لكان العالم لك")) – مجلة التقوى الأحمدية شباط 2002.
و قد زعم بعض المؤلفين من غلاة الصوفية أنهم لم يأتوا بما ذكروه في كتبهم إلا عن طريق الكشف الصريح يتلقونه عن الله مباشرة، رغم ما يحمل من كفر و زندقة. و مثال ذلك ما ادعاه ابن عربي حول كتابه "فصوص الحكم" حيث قال: ((فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرةأريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أُمرنا. فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان)). و قد ادعى الميرزا غلام أحمد القادياني نفس الشيء عن كتابه "مرآة كمالات الإسلام". و كذلك فعل الميرزا أيضاً مع كتابه "إعجاز المسيح"، بل استعمل الميرزا ألفاظاً شبيهة بتلك الني استعملها ابن عربي في كلامه عن كتابه فصوص الحكم، يقول الميرزا في كتابه "إعجاز المسيح" : ((سميته إعجاز المسيح في نمق التفسير الفصيح، و إني رأيت مبشرة في ليلة الثلاثاء، إذ دعوت الله أن يجعله معجزة للعلماء، و دعوت أن لا يقدر عليه أحد من الأدباء، و لا يعطى لهم قدرة على الإنشاء، فأجيب دعائي ....... و كانت هذه البشارة في العشر الأخر من رمضان)).
و مثال ذلك أيضاً ما يقوله الميرزا غلام أيضاً في كتابه التبليغ ص108: ((كنت ذات يوم فرغت من فريضة المساء و سننها، و أنا مستيقظ، ما أخذني نوم و لا سِنة و ما كنت من النائمين، إذ سمعت صوت صك الباب، فنظرت فإذا المدكـّون يأتونني مسرعين. فإذا دنوا مني عرفت أنهم خمسة مباركة، أعني عليّاً مع ابنيه و زوجته الزهراء و سيد المرسلين، اللهم صل و سلم عليه و آله إلى يوم الدين. و رأيت الزهراء وضعت رأسي على فخذها، و نظرت بنظرات تحنن كنت أعرف في وجهها، ففهمت في نفسي أن لي نسبة بالحسين و أشابهه في بعض صفاته و سوانحه، و الله يعلم و هو أعلم العالمين. و رأيت أن علياً رضي الله عنه يريني كتاباً و يقول: "هذا تفسير القرآن. أنا ألفته"، و أمرني ربي أن أعطيك، فبسطت يدي و أخذته)).
الكشف الشيطاني لكن للميرزا غلام رأي طريف حول الكشف الروحاني، حيث يقرّ بوجود كشف من النوع الشيطاني، حيث يلتقي الأولياء أو الأنبياء بالشيطان خلال الكشف. يقول الميرزا غلام أحمد القادياني في كتابه "المسيح الناصري في الهند" ص 81: (( و كذلك تماماً يعترف علماء المسيحية بأن الشيطان الذي قابل عيسى عليه السلام لم يأته بصورة بشر مار بالطرقات و الأزقة بين أيدي اليهود، و لم يحدث المسيح كحديث الناس فيما بينهم بحيث يسمعه الآخرون أيضاً، بل كان ذلك اللقاء أيضاً صورة من الكشف رآها المسيح وحده، و كان الحوار بينهما وحياً شيطانياً ... أي أن الشيطان بحسب عادته القديمة، ألقى في قلب المسيح بشكل الوسواس، و لكن قلب المسيح لم يقبل هذه الوساوس الشيطانية، بل رفضها كما فعل بوذا)).
الكشف شبه الشيطاني و هو كشف عجيب ادعاه الميرزا، حيث تكذب الملائكة – حاشاهم - في ذلك الكشف !! يقول ميرزا غلام أحمد القادياني بتاريخ 5-3-1905: ((رأيت في المنام ملكاً بهيئة شخص جاء أمامي و أعطاني نقوداً كثيرة ألقاها في حجري، فسألته عن اسمه فقال "ليس لي اسم"، فقلت "لا بد أن يكون لك اسم"، فقال "إسمي تيتشي تيتشي")) - الخزائن روحانية ج22 ص 346
الكشف المستعجل! في كتاب تذكرة ص 119 و الذي يضم إلهامات و كشوف الميرزا غلام أحمد القادياني تجد الإلهام التالي: (( بريشن عمر براطوس يا بلاطوس)). ثم يقول الميرزا بعد ذكر هذا الوحي: (( لا أدري هو بلاطوس صحيح أم براطوس لأن الإلهام نزل علي بسرعة)).
الكشف حسب الطلب و للميرزا أيضاً رأي أكثر طرافة في الكشف الصوفي، حيث يمكن أن يتحصل الكشف الروحاني عنده بالتركيز العقلي. يقول الميرزا غلام أحمد القادياني في كتابه "المسيح الناصري في الهند": ((لو أنني ركزت الآن أنا أيضاً لتمكنت بفضل الله و توفيقه من رؤية المسيح أو غيره من الأنبياء المقدسين في اليقظة التامة))