ترجم المرزا لنفسه ولأسرته في آخر كتابه ((ضميمة الوحي)) وجاء بخلط عجيب في ذلك.
أما اسمه فهو: غلام أحمد القادياني، واسم والده غلام مرتضى، واسم أمه جراج بي بي وفي نسبة أسرته يتضارب قوله؛ فهو يزعم أنه ينتمي إلى أسرة أصلها من المغول من فرع برلاس، ومرة قال: إن أسرته فارسية ، ومرة زعم أن أسرته صينية الأصل، ومرة أنه من بني فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخرى قال بأنها جاءت من سمرقند، وزعم مرة أنه يرجع إلى بني إسحاق .
وبعد كل هذا الخلط والاضطراب زعم أن الله أوحى إليه أن نسبه يرجع إلى فارس فقال: ((والظاهر أن أسرتي من المغول، ولكن الآن ظهر علي من كلام الله تعالى أن أسرتي حقيقة أسرة فارسية، وأنا أؤمن بهذا؛ لأنه لا يعرف أحد حقائق الأسر مثل ما يعرفها الله تعالى)) .
وفي تقرير هذا الخلط قال في ضميمة الوحي: ((وسمعت من أبي أن آبائي كانوا من الجرثومة المغلية،و لكن الله أوحى إلي أنهم كانوا من بني فارس لا من الأقوام التركية، ومع ذلك أخبرني ربي بأن بعض أمهاتي كن من بني الفاطمة-ومن أهل بيت النبوة، والله جمع فيهم نسل إسحاق وإسماعيل من كمال الحكمة والمصلحة)) .
وكل من سأله عن هذه التقلبات في نسبه يقول: هكذا أخبرني الله تعالى، أو هكذا أُلهِمَ من الله أو كُلمَ على التعبير الذي يحبه . أي أخبره الله بكل هذه التناقضات التي لا مبرر لها إلا الجهل والنفاق-و الله يتنزه عن هذا التناقض- ومهما قال عن أسرته، فإنها أسرة عميلة اشتهرت بعاملتها وتفانيها في خدمة الإنجليز المستعمرين لهم. وكان الغلام كثيراً ما يتباهى بأنه هو وأجداده كانوا من المخلصين لخدمة الإنجليز، كما سيأتي ذكر النصوص التي تبجح بها القادياني وأتباعه.
أما ولادته: فقد ولد غلام أحمد في عام 1256هـ على أحد الأقوال في قرية قاديان إحدى قرى البنجاب بالهند. يقول المودودي: ((ولد الميرزا غلام أحمد- كما أشرنا في البداية- حوالي سنة 1839م، أو سنة 1840م حسبما كتبه الميرزا في تأليفه كتاب البرية، إلا أن أحد مؤرخيه كتب أنه ولد سنة 1835م ، وقد وصف القادياني قريته التي ولد فيها بقوله:
((كانت قريتي أبعد من قصد السيارة، وأحقر من عيون النظارة، درست طلولها، وكره حلولها، وقلت بركاتها، وكثرت مضراتها ومعراتها، والذين يسكنون فيها كانوا كبهائم، وبذلتهم الظاهرة يدعون اللائم، لا يعلمون ما الإسلام وما القرآن وما الأحكام، فهذا من عجائب قضاء الله وغرائب القدرة أنه بعثني من مثل هذه الخربة)) .
وأغلب الظن أنه كان صادقاً في وصفه لقريته بأنها خربة، ولأهلها بأنهم مثل البهائم لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً؛ إذ لولا أنهم كذلك لما جرؤ على دعوى النبوة بينهم.
فقد قرأ مبادئ العلوم وقرأ في المنطق والعلوم الدينية والأدبية في داره على بعض الأساتذة، مثل فضل إلهي، وفضل أحمد، وكل على شاه، كما قرأ الطب القديم على والده الذي كان طبيباً ماهراً وعرافاً حاذقاً ، وقد كان يكثر القراءة والطلب وأجهد نفسه في ذلك ، إلا أن جميع معلوماته عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم كانت مشوشة ومملوءة بالأخطاء والخلط الشنيع، كما ذكر عنه الأستاذ إحسان إلهي وذكر الأمثلة على ذلك .
وقد بدأ حياته العملية بأن توظف في محكمة حاكم المديرية في مدينة سيالكوث إحدى المدن في باكستان، بمرتب يساوي خمس عشرة روبية في ذلك الوقت، وبقي على ذلك أربع سنوات من عام 1864 إلى عام 1868م، وقد استغل في هذه الفترة وقته فأقبل على تعلم الإنجليزية، كما التحق بدراسة الحقوق وأخفق في الامتحان، ثم استقال من وظيفته هذه عام 1868م وشارك والده في المحاكمات والقضايا التي كان مشغولاً بها .
وهكذا بدأ حياته في تقشف وحاجة شديدة عبر عنها في كتابه: ضميمة الوحي بعدة أساليب نأخذ منها على سبيل المثال في الاستفتاء الأول الذي بدأ بقوله: ((يا علماء الإسلام وفقهاء ملة خير الأنام؛ أفتوني في رجل ادعى أنه من الله الكريم- يقصد نفسه- إلى أن قال: ((وكان في أول زمنه مستوراً في زاوية الخمول، لا يعرف ولا يذكر، ولا يرجى منه ولا يحذر، وينكر عليه ولا يوقر، ولا يعد في أشياء يحدث بها بين العوام والكبراء، بل يظن أنه ليس بشيء ويعرض عن ذكره في مجالس العقلاء)) .
وقال أيضاً: ((وما كنت من المعروفين فأوحى إلي ربِّي، وقال: اخترتك)) .
إلى أن يقول: ((وكنت أعيش كرجل اتخذه الناس مهجوراً)).
ونصوص أخرى كثيرة ذكرها حول إثبات هذه الحقيقة.
إلا أنه حينما تبوأ الزعامة الدينية أقبلت عليه الدنيا والهدايا الكثيرة التي تمدح بها في كتابه ضميمة الوحي في سبعة مواضع، بتعبيرات مختلفة زاعماً أنها فضل من الله، ودليل أيضاً على نبوته، منها:
((ثم بعد ذلك أيَّد الله هذا العبد كما كان وعده بأنواع الآلاء وألوان النعماء، فرجع إليه فوج من الطلباء بأموال وتحايف وما يسرُّ من الأشياء، حتى ضاق عليها المكان)) .
وقال أيضاً:
((وانهالت علي الهدايا كأنها بحر تهيَّج في كل آن أمواجاً، هذه آيات الله)) .
وقال: ((يأتوني من كل فج عميق بالهدايا وبكل ما يليق، هذا وحي من السماء من حضرة الكبرياء، ما كان حديثاً يفترى)) .
ومن هنا وحين أقبلت عليه الدنيا بالزعامة الدينية رتع فيها كيفما حلى له على حساب المغفلين من أتباعه، وصار ينفق في المسكن والمأكل والمشرب بما في ذلك شرب أقوى المسكرات من الخمر والمعجونات المقوية الثمينة، وصارت حياته أشبه ما تكون بحياة الزعماء السياسيين حتى شكى كثير من أتباعه هذه الحياة المملوءة بالإسراف بالنسبة للغلام ولزوجاته، من لبسهن الحرير والحلي والحلل الفاخرة، بينما أتباعه يعيشون في فقر مدقع.
وكان الغلام يغضب كثيراً حينما يُسأل عن كيفية إنفاق تلك الأموال التي تأتي بكثرة، لكنها لا ترى بعد ذلك ولا يلمس لها أثر .
ومما يذكر في ترجمته أن الله قد عاجله بكثير من الأمراض، فقد أصيب بعدة أمراض حتى كان يغمى عليه كثيراً من شدة مرض السكر به، إضافة إلى الصداع الشديد الملازم له، إضافة إلى مرض المراق، وأمراض أخرى ذكرها المودودي والندوي وغيرهما في ترجمتهم له، مستندين إلى كتب الغلام وغيره من كبار أصحابه .
وأما حياة خلفاء الغلام من بعده فقد أضافوا إلى الحَشَفِ سوءَ كيلة؛ لقد استهتروا بكل القيم ورتعوا في كل مراتع اللهو والفجور، ويكفي الشخص أن يقرأ كلمة الأستاذ عبد الرحمن مصري مدير كلية تعليم الإسلام في قديان، وكان من كبار علماء الجماعة القاديانية كما يذكر الأستاذ الندوي.
فقد أسلم هذا الرجل على يد بعض القاديانيين ونشأ في حضانتهم وتعلم في مصر، وحاز ثقة الجماعة حتى كان يستخلفه الميرزا بشير الدين في إمامة الصلوات، ثم اطلع على أسرار هؤلاء الماسونيين القاديانيين وثار عليهم، وألف جماعة من الثوار كان يرأسهم هو. فقد سجل قاضي محكمة الاستئناف في لاهور- كما يذكر عبد الرحمن المصري في يوم 23 سبتمبر من عام 1938م- ما يأتي:
إن الخليفة الحالي الميرزا بشير الدين محمود من كبار الفساق، إنه يتصيد الفتيات في ستر من الزعامة الدينية، وله وكلاء وسماسرة من الرجال والنساء يحضرون له الفتيات الغافلات والشباب الغر، وقد أسس لهذا الغرض نادياً سرياً من الرجال والنساء يفسق فيه .
ولا شك أن هذا الميرزا سار على سيرة والده الميرزا غلام أحمد في استهتارهما بالدين وعدم وجود المراقبة الذاتية؛ فأصبح انتهاب الملذات من الأمور المألوفة، وهذا النادي يشهد صراحة بتأثير العقائد القاديانية في أصحابها، ودليل على أن هذه الفرقة إنما قامت من الأساس على خداع الناس والوصول إلى مآربهم وشهواتهم التي لا حد لها.
مما يذكر عن القادياني أنه كان قليل الفطنة مستغرقاً تبدو عليه البساطة والغرارة، فقد قيل عنه: إنه كان لا يحسن ملأ الساعة، وكان إذا أراد أن يعرف الوقت وضع أنملته على ميناء الساعة وعد الأرقام عداً، وكان لا يميز الأيمن من حذائه عن الأيسر منها، حتى اضطر إلى وضع علامة عليها، وكان يضع أحجار الاستنجاء التي يحتاج إليها كثيراً وأقراص القند التي كان مغرماً بها في مخبأ واحد ... هكذا يذكر عنه.
وفي رأيي أنه كان يتظاهر بهذه الغفلة والسذاجة لأشياء في نفسه تمهيداً للإيحاء إلى الناس بأنه في تلك القوة من الاحتجاج والمناظرة والخطابة وكثرة تأليف لكتب التي بثَّها في العالم- إنما كانت بقوة ربانية وإلهام منه؛ أي ولولا ذلك لما استطاع أن يحفظ اسمه أو يكتب كلمة.
وهذا من دهائه ومكره، فإن الذي كتب عن مدح الإنجليز ما يملأ 50 خزانة كيف لا يعرف أرقام الساعة وحذاءه الأيمن عن الأيسر وأحجار الاستنجاء وأقراص القند؛ بل وبين السكر والملح كما يذكر عنه، هذا بعيد جداً خصوصاً وأن هذه الأوصاف إنما ينقلها علماء المسلمين من كتب القاديانية وعن القادياني، ومن مصادره أنه كان كثير الأمراض .
وقد ذكر هو عن نفسه وذكر عنه العلماء من المسلمين ومن كتَّاب القاديانيين من الأمراض ما لو جمعت على حجر لفلقته، فقد ذكر المودودي جملة من أمراض الغلام من مصادر القاديانيين أن الغلام كان فيه من الأمراض: -الهستيريا-القطرب-الماليخوليا-السل-أمراض الصدر-دوار الرأس-سلس البول-الأرق-التشنج القلبي-الذيابيطس-أي السكر-يبول في الليلة الواحدة أكثر من مائة مرة-الضعف العصبي-سوء الذاكرة...إلخ ذلك.
وفيما أتصور أن هذه المبالغات في ذكر أمراض الغلام المتنبي –من قبل القاديانيين- إنما يراد من ورائها مكسب هام لإثبات النبوة؛ لأن أقل هذه الأمراض تمنع الشخص أن يملأ الخزائن بمؤلفاته، ولا تسمح له بالتفكير السليم فتكون النتيجة أن كل ما قاله الغلام وكتبه إنما كان إلهاماً جاهزاً من الله لا دور للغلام فيه إلا مجرد التبليغ، خصوصاً إذا عرفنا أن الغلام وأسرته كانوا يحبون أن تشيع هذه الأمراض عنه، وقد ذكر الشيخ إحسان إلهي –رحمه الله- أمراضاً أخرى كثيرة للغلام من مصادر القاديانيين ، فأي جسم يحتمل ذلك!؟
وقد وصف الغلام بالبذاءة وسوء الأخلاق وطول اللسان هجاءاً مقذعاً للمخالفين والعلماء المعاصرين وعباد الله الصالحين، وكان مصداق صفة المنافقين التي جاءت في الأحاديث الصحاح: ((وإذا خاصم فجر))، وكان يكثر من سَبِّ مخالفيه مثل هذه الألفاظ: فلان الغوي الجاهل الخليع الكلب الأحمق الضال الكذاب اللعين ابن الزنا والبغي الشيطان الغوي، وأمثال هذه الكلمات والسباب البذيء الذي لا يصدر إلا عن السفهاء والسوقة .
ومن ذلك أنه تنبأ بموت رجل في زمن محدد، ولكن هذا الرجل لم يمت حسب تنبؤه في هذه المدة، فقال له بعض العلماء: أنت تظن أنك نبي ولا تتكلم إلا بوحي الله، فكيف يمكن أن يتخلف وعد الله؟، فبدل أن يجيبهم بدليل يرد به دعواهم ويثبت دعواه، بدلاً عن ذلك بدأ يَسُبُّهُم هم وجميع علماء المسلمين فقال: ((لا يوجد في الدنيا شيء أنجس من الخنزير، ولكن العلماء الذين يخالفونني هم أنجس من الخنزير، أيها العلماء يا آكلي الجيفة و أيتها الأرواح النجسة)) .
وقد وصف جميع من يخالفونه بقوله: ((بعضهم كالكلاب، وبعضهم كالذئاب وبعضهم كالخنازير)) ، ويخاطب الشيخ ثناء الله الأمر تسري قائلاً:
((يا كلب يا آكل الجيفة)) ويقول عن العالم الكبير مهر علي الكولري الجشتي:
فقلت لك الويلات يا أرض جولر لعنت بملعون فأنت تدمر
وقال في سبه لجميع مخالفيه:
إن العـدا صاروا خنازير الفـلا نسائهم من دونهن الأكلب
وإذا كان هذا السباب لعلماء عصره لأغراض شخصية إن صرفنا النظر عن الأساس الديني فيها-وهو الأصل- فلماذا لم يقتصر في سبه على المخالفين له حين تطاول فسب أنبياء الله الأطهار دون أن يكون له أي مبرر-إلا تغطية ضعف جانبه وبطلان أفكاره وسقوطها-.
ومن ذلك السباب سبه لنبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ فقد قال عنه: ((إن عيسى ما استطاع أن يقول لنفسه إنه صالح؛ لأن الناس كانوا يعرفون أن عيسى رجل خمار، وسيء السيرة)) .
وقد كذب وافترى وحاشا أن يوصف نبي الله عيسى بهذا الوصف أو الأوصاف الأخرى التي قالها عنه، مما يلزم تنزيه القارئ عن ذكرها هنا ، وربما تصور الغلام أن نقضه لبناء الآخرين يشيِّد بنيانه، وأن ترفُّعه على الأنبياء يجعل منه نبياً أعلى منهم.
كما أنه له أشعار ركيكة ومعاني تافهة مملوءة بالسباب والشتائم على كل من يخالفه، ينطبق عليه المثل القائل: ((رمتني بدائها وانسلت)).
وحين تمادى في شتم الناس وإيذائهم بلسانه وبكتاباته عنهم أوصلوا أمره إلى القضاء، فأخُِذَ عليه تعهد في المحكمة الجنائية أن لا يستعمل مرة أخرى تلك الألفاظ القبيحة والسب والشتم والقذف ضد مخالفيه، وقال الغلام نفسه: ((أنا عاهدت أمام نائب الحاكم بأني لا أستعمل بعد ذلك ألفاظاً سيئة)) .
ولكنه لم يَفِ؛ فهذا هو يقول في ضميمة الوحي في معرض تعداده للنعم الوافرة عليه- يقول: ((ويطرد –أي الله- أعداءه المؤذين كالكلاب ويؤتيه ما لم يؤت أحداً من المعاصرين)) .
وتجد تفاصيل كثيرة فيما كتبه عنه العلامة الندوي و المودودي وإحسان إلهي رحمهم الله؛ حيث يظهر القادياني فيما ينقله عنه هؤلاء الأعلام أنه كان سباباً فاحشاً لا يدانيه أحد في هذه الصفة.
كما عرف عنه التناقض في القضية الواحدة؛ حيث يذكر شيئاً ثم يذكر آخر يدل على كذبه، وحبل الكذب قصير كما قيل، ومن الكذب الذي اشتهر به الكذب على الله؛ حيث يأتي بكلام من تلفيقه ثم يزعم أن الله قاله له، ثم يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع أحاديث من تلقاء نفسه.
كما عرف عنه الاحتيال لأخذ أموال الناس وعدم الوفاء بالتزاماته لهم، وتعليل ذلك بما لا مقنع فيه لأحد، كما في قصة الخمسين المجلد التي تزعم أنه سيؤلفها وأخذ ثمنها مقدماً، ثم كتب خمسة كتب فقط وامتنع من الباقي، ومن إرجاع الأموال أيضاً بحجة أنه لا فرق بين الخمسة والخمسين غير الصفر، ويظهر التناقض واضحاً في أفكاره حين تقارن بين قوليه الآتيين:
((أنا أعتقد كل ما يعتقده أهل السنة، كما أنا أعتقد أن محمداً خاتم النبيين ومن يدعي النبوة بعده هو كافر كاذب؛ لأني أومن أن الرسالة بدأت من آدم وانتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وقوله: ((والله الذي في قبضته روحي هو الذي أرسلني، وسماني نبياً، وأظهر لصدق دعواي آيات بينات بلغ عددها ثلاثمائة ألف بينة)) .
لقد جرَّت بريطانيا على المسلمين مصائب وفتناً عظيمة، لا يزال المسلمون يجترون آثارها إلى اليوم في الهند وفي بلاد العرب، وكثير من بلدان المسلمين؛ حيث فرقت كلمتهم وأوهنت قواهم وأوجدت عملاء لها في كل بلد إسلامي من أبناء ذلك البلد ومن جلدتهم، ويتكلمون بألسنتهم، ولكنهم أصبحوا بعد ذلك أشد عليهم من الأعداء الظاهرين، ونشرت الفساد والخلاعة، إلى جانب نشر النصرانية بين المسلمين، وقتلت في سبيل ذلك الأبرياء والصفوة الممتازة من العلماء ليفسحوا المجال للمبشرين، وليثبتوا كذلك استعمارهم إلى الأبد.
ومع كل هذا وغيره نرى الإنجليز وهم مسيطرون على الهند يبحثون فيها عن عميل لهم، فكان المطلوب، ووجدوا القادياني خير من يمتثل لتحقيق مآربهم، ويقدم طاعتهم على طاعة ربه ودينه الذي كان ينتمي إليه ويخون أمته الإسلامية التي كان ينتسب إليها، ولولا نكايته بعد ذلك بالإسلام والمسلمين وإدخال أفكار هدامة حارب بها العقيدة الإسلامية الصحيحة وأخرج بها كثيراً من المسلمين عن دينهم- لولا ذلك لما كان لنا بعمالته لبريطانيا أو غيرها أي غرض لإبراز دوره مع الإنجليز وخدمته لهم، لأنه كغيره ممن باعوا أنفسهم لأعدائهم، على أن عمالة هذا الشخص لبريطانيا فاقت التصور، فإنك لو رجعت إلى أي كتاب من كتب الغلام أو تصريحاته فسترى مدى تعلقه بهم وتفانيه في خدمتهم وتملقه لهم وطلب رضاهم، وتفضيلهم على غيرهم ودعوة الناس إلى الانضواء تحت لوائهم والسير خلفهم في كل شئونهم ومحاكاتهم بكل دقة.
وسترى كذلك في الجانب الآخر مدى تعلق الحكومة الإنجليزية به وبأتباعه، وكيف هيأت لهم المناصب وأغدقت عليهم الأموال ويسرت لهم في داخل الهند وخارجها إلى اليوم كل أسباب التفوق والراحة، ودافعت عنهم في كل موقف يتعرضون فيه للضغط، والنتيجة من كل تلك المواقف للجانبين غير خافية، فالمصلحة بينهم مشتركة والهدف واحد.
ومن الأمثلة- وهي كثيرة - على خدمة هذا المتنبئ لبريطانيا قوله في منع الجهاد: ((لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر-الإنجليز-من الكتب والإعلانات والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لملأ خمسين خزانة!! وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية ومصر والشام وتركيا، وكان هدفي دائماً أن يصبح المسلمون مخلصين لهذه الحكومة، وتمحى من قلوبهم قصص المهدي السفاك والمسيح السفاح، والأحكام التي تبعث فيهم عاطفة الجهاد وتفسد قلوب الحمقى)) .
وقال أيضاً في رسالة قدمها إلى نائب حاكم المقاطعة: ((لقد ظللت منذ حداثة سني-وقد ناهزت اليوم الستين- أجاهد بلساني وقلمي لأصرف قلوب المسلمين إلى الإخلاص للحكومة الإنجليزية والنصح لها والعطف عليها وألغي فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهالهم، والتي تمنعهم من الإخلاص لهذه الحكومة، وأرى أن كتاباتي قد أثرت في قلوب المسلمين، وأحدثت تحولاً في مئات الآلاف منهم)) .
ولاشك أن هذا الكلام من الخزي المفضوح لنبوته حتى لكأنه بُعث لتأييد بريطانيا والدفاع عن مصالحها وإضفاء الشرعية على استعمارها لبلاد المسلمين.
ويقول كذلك في تملقه للإنجليز وتذكيرهم بجهوده وجهود أتباعه لهم:
((والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة التي هي من غرس الإنجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية، وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة)) .
وهنالك نصوص كثيرة بعضها بالأردية وبعضها بالفارسية وأخرى بالعربية يتناقلها العلماء عنه؛ للتأكيد على عمالته لأعداء الإسلام، وعلى رأسهم عدوهم اللدود بريطانيا وجد فيهم القادياني ضالته المنشودة ووجدوا هم أيضاً ضالتهم وما تحمله في شخص القادياني ففاضت قريحة القادياني، فأشاد بفضلهم ومنتهم المزعومة على العالم الإسلامي قاطبة والهند خاصة.
وبقدر ما ارتبط هو وزمرته بأعداء الإسلام بقدر ما ازداد بعده عن الإسلام والمسلمين ونفرت عنه القلوب واستحوذت عليه الشياطين، وكان موقفه هو وأتباعه في غاية المقت بالنسبة لأهل السنة وعامة المسلمين فإنه ناصبهم العداء، ورأى أن الثورات التي يقومون بها على المستعمرين- أنها من فعل العقول الجامدة والحماقة، وكان يثبطهم بكل ما لديه من قوة وحيلة لمنعهم من جهاد هؤلاء الغزاة للبلاد وللدين، ويصيح فيهم أن الجاهد حرام.
وقد انتهى وقته قبل مجيء القادياني، وأما بعده فالجهاد منكر يجب-على حد زعمه- تركه والتسليم للحكومة التي أمر الله بطاعتها؛ أي حكومة بريطانيا الكافرة.
وقد تمثل في وضوح تام ولاء القاديانية للإنجليز أنهم دائماً يظهرون سرورهم وابتهاجهم بسقوط أي دولة إسلامية في يد الاستعمار، ويحتفلون بذلك ويعتبرونه من أسعد أعيادهم، لأنهم يعتبرون المكان الذي تصل إليه بريطانيا هو المكان الذي تصل إليه القاديانية.
وعلى هذا فإن عز القاديانية وانتشارها مرهون بعز الإنجليز وانتشارهم، فكيف لا يفرح القاديانيون بانتصار بريطانيا وانكسار المسلمين بعد ذلك؟ ولقد صرح بهذا كبار القاديانية ابتداء بالغلام وخلفائه، مثلهم في هذا مثل سائر الباطنية حين يفرحون بمصائب المسلمين ويحزنون من أفراحهم.
وهنا أدلة كثيرة من أقاويل القاديانيين في هذا المسلك، منها ما قاله ابن الغلام –محمود أحمد- حين استولت بريطانيا على العراق؛ حيث ألقى خطاباً قال فيه: ((إن علماء المسلمين يتهموننا بتعاوننا مع الإنكليز ويطعنوننا على ابتهاجنا على فتوحاته، فنحن نسأل: لماذا لا نفرح ولماذا لا نُسرُّ؟ وقد قال إمامنا بأني أن المهدي وحكومة بريطانيا سيفي، فنحن نبتهج بهذا الفتح ونريد أن نرى لمعان هذا السيف وبرقه في العراق وفي الشام وفي كل مكان)) .
ولعله قال هذا الكلام- أنه مهدي- قبل أن يُرقَّي نفسه إلى ((نبي)).
وقال أيضاً عندما احتلت بريطانيا القدس-وهي المدينة التي لا يعترف بها بعد أن حولها إلى قاديان-: ((نحن نشكر الله ألف وألف مرة على فتوحات بريطانيا، وأن سبب الابتهاج والسرور لأن إمامنا (الغلام القادياني) كان يدعو لفتوحاتها وكان يوصي جماعته بالدعاء لها، وأيضاً فتحت لنا أبواب الدعوة إلى القاديانية التي كانت مسدودة قبل الآن، وهذا كله لامتداد دولة بريطانيا إلى بلدان أخرى)) .
كما ينقل إحسان إلهي –رحمه الله- عن جريدة الفضل القاديانية الرسمية مقالاً جاء فيه: ((أن حكومة بريطانيا هي ترس لنا نتقدم إلى الأمام تحت وقاية هذا الترس، الذي لو أبعد لمزقنا من الرماية فاتحدنا وصار رقيتها وعلوها رقيتنا وعلونا، ودمارها دمارنا)) .
وقال الغلام نفسه عن ربوة وظل بريطانيا عليهم: ((قد قال الله عز وجل في القرآن: (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)) ولما جعلني الله عز وجل مثيل عيسى جعل لي السلطنة البريطانية ربوة أمن وراحة ومستقراً حسناً؛ فالحمد لله مأوى المظلومين، ولله الحكم والمصالح، ما كان لأحد أن يؤذي من عَصَمَهُ الله، والله خير العاصمين)) .
وقال كذلك: ((ولولا سيف الحكومة لأرى منكم ما رأى عيسى من الكفرة، ولذلك نشكر هذه الحكومة لا بسبيل المداهنة بل على طريق شكر المنة، ووالله إنا رأينا تحت ظلها أمناً لا يرجى من حكومة الإسلام في هذه الأيام، ولذلك لا يجوز عندنا أن يرفع عليهم السيف بالجهاد، وحرام على جميع المسلمين أن يحاربوهم ويقوموا للبغاوات والفساد، ذلك بأنهم أحسنوا إلينا بأنواع الامتنان)) ..إلخ الثناء عليهم.
والذي أحوجنا إلى ذكر هذه النصوص من أقوالهم إنما هو بيان خطر هذه الطائفة، وانخداع بعض المسلمين بما يبدي هؤلاء من الدعوة إلى الإسلام، وأنه لا فرق بين القاديانيين وسائر المسلمين، ليعرف المسلم في أي مكان وطأته أقدام القاديانيين أنهم أداة تخذيل وإضرار بالإسلام والمسلمين، وأنهم جواسيس الإنجليز ومعاول هدم للإسلام باسم الإسلام.
وبعدما قدمنا من النصوص حول عمالة القادياني وأسرته للإنجليز أليس من المغالطة المكشوفة أن يتصدى بشير محمود للقول بأن القادياني والقاديانيين لا يلغون فكرة الجهاد، ثم يرد على هذا القول بشدة ويهاجم كل من يقول به أو ينسبه إلى القاديانيين؟
نعم إنها مغالطة حين قرر بشير ذلك ثم زعم أن الجهاد الذي ينادون بإلغائه ليس هو جهاد الكفار، وإنما المقصود به ذلك الجهاد الذي يوحي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جباراً يقتل الناس، لأن الإسلام كما هو تعبيره يلعن اعتناق الدين خوفاً وطمعاً، بل إن الإسلام هو أول دين يقر بحرية العقيدة.
وبعد هذه الأقوال ينتهي إلى النتيجة الآتية في فهم الجهاد: الحروب الدينية لا تجوز إلا ضد من يتدخل في الدين ويمنع المسلمين من قولهم: ((ربنا الله)) وأن مثل هذه الحروب لا تهدف إلى هدم المعابد والكنائس، ولا إلى إكراه غير المسلمين على ترك دينهم، أو إلى قتلهم؛ بل إنما ترمي إلى الدفاع عن سائر الملل والأديان والحفاظ على معابدها. إلى أن يقول:
((وقصارى القول أن الجهاد الذي أجازه الإسلام هو محاربة من يُرغم المسلمين على الارتداد عن الإسلام، أو يستعمل القوة لصد الناس عنه، أو يقتل الناس لمجرد اعتناقهم للإسلام، فمحاربة أحد لغير هذه الجرائم لا تجوز مطلقاً . ثم زعم أن الجهاد الذي قام به المسلمون إنما هو تقليد للنصارى.
وهذا الكلام مملوء بالدس والمغالطة، فيقال له: إذا انتظر المسلمون الكفار إلى الوقت الذي يمنعونهم فيه من قول: ((ربنا الله)) فمن أين يقومون للجهاد بعد ذلك، مع أن معظم الكفار لا يمنعون أحداً من قولها ما دام قد ترك الجهاد وصار عبداً لهم. وزعمه أن المسلمين إنما يقومون بالجهاد تقليداً للكفار النصارى، إنما هو تعبير مفضوح لجهله بفريضة الجهاد في كتاب الله عز وجل وقيام أهل التوحيد بامتثالها.
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .