أمير هذا الفرع هو محمد علي من أوائل المنشئين صرح القاديانية، وممن كان له يد ومنّة عظيمة في توجيه الغلام المتنبي ومساعدته بالفكر والقلم أيضاً،وكان هو الآخر من أشد المخلصين للإنجليز والمحرضين على بذل الطاعة التامة لهم، وقد كانت لهم مواقف مع الغلام وأسرته؛ إذ كان أحياناً يتبرم من استبداد المتنبي بالأموال التي تصل إليه من أتباعه، فيصرح للمتنبي بهذا ويرد عليه المتنبي هذه التهمة.
وبعد وفاة الغلام استفحل الخلاف بين أسرة المتنبي ومحمد علي، حول اقتسام الأموال التي جاءتهم حيث استغلها ورثة المتنبي مع علمهم ((بأن هذه النبوة شركة تجارية وهم كلهم شركاء فيها)) ، ولعل هذه الخلافات الشخصية لم يكن لها تأثير على إتمام الخطة وإحلال القاديانية محل الإسلام، خصوصاً والقوة التي أنشأت الغلام وفكرته لا تزال هي القوة، والمتآمرون لا يزالون في إتمام حبكها وتنفيذها.
أما بالنسبة لحقيقة معتقد هذا الرجل في غلام أحمد، وهل كان متلوناً أو كان له مبدأ أُمليَ عليه، أو كان مقتنعاً به دون تدخل أحد، فإن الذي اتضح لي من كلام العلماء الذين نقلوا عنه آراءه أنهم مختلفون على النحو الآتي:
منهم من يرى أن (محمد علي) اختير من قبل الساسة الإنجليز لإتمام مخطط القاديانية بطريقة يتحاشى بها المواجهة مع مختلف طوائف المسلمين في الهند والباكستان وغيرهما، ويتحاشى بها كذلك مصادمة علماء الإسلام الذين نشطوا في فضح القاديانية وإخراجها عن الدين الإسلامي، فاقتضى الحال أن يتظاهر محمد علي وفرعه بأنهم معتدلون لا يقولون بنبوة الغلام، وإنما يثبتون أنه محدد ومصلح؛ لاستدراج الناس إلى القاديانية ولامتصاص غضب المسلمين على القاديانية، فتظاهر بعد ذلك محمد علي وفرعه بهذه الفكرة بغرض اصطياد من يقع في أيديهم .
ومنهم من يرى أن (محمد علي) وفرعه كانوا يعتقدون أن الميرزا غلام أحمد لم يدَّعِ النبوة، وكل ما جاء عنه في ذلك إنما هي تعبيرات ومجازات، وكابروا في ذلك اللغة وكابروا الواقع.
وقد لقبهم القاديانيون بالمنافقين ((لأنهم يحاولون الجمع بين العقيدة القاديانية والانتساب إلى مؤسسها وزعيمها، وبين إرضاء الجماهير)) ومع هذا الموقف فإن محمد علي اللاهوري، دائماً يلقب الميرزا غلام أحمد بمجدد القرن الرابع عشر والمصلح الأكبر، وزيادة على ذلك يعتقد أنه المسيح الموعود)).
قال الندوي عنهم: ((وعلى ذلك تلتقي الطائفتان)) .
وذهب الأستاذ مرزا محمد سليم أختر في كتابه: ((لماذا تركت القاديانية؟)) إلى رأي آخر حيث قال بعد أن ذكر ما وقع بين محمد علي وجماعة الربوة من خلاف على منصب الخلافة بعد نور الدين-قال: ((وأنكر نبوة الميرزا ليكسب العزة عند المسلمين))، ثم قال: ((ولم ينكر أحد هذه الحقيقة: أن (محمد علي) أقر بنبوة الميرزا، وإنكاره لنبوته يعتبر كالعقدة في الهواء)) .
والواقع أن القول بأن الفرع اللاهوري-وعلى رأسهم محمد- علي ما كانوا يؤمنون بنبوة الغلام عن اقتناع قول بعيد جداً؛ ذلك أن مواقفهم وتصريحاتهم كلها تشهد بإقرارهم بنبوة الغلام وليس فقط أنه مصلح ومجدد.
كما أن تصريحات الغلام نفسه بنبوته لا تخفى على من هو أبعد من الفرع اللاهوري، فكيف يقال بأنها خفيت عليهم؟!
كما أن معتقد الفرع اللاهوري ليس له أي أساسا آخر غير الأساس الذي بناه غلام أحمد وأسهم فيه محمد علي نفسه.
والباطل لا بد وأن يتناقض أهله فيه، فقد صرح محمد علي نفسه بقوله عن الغلام: ((نحن نعتقد أن غلام أحمد مسيح موعود ومهدي معهود وهو رسول الله ونبيه، ونزله في مرتبة بينها لنفسه؛ أي إنه أفضل من جميع الرسل، كما نحن نؤمن بأن لا نجاة لمن لا يؤمن به)) .
ونصوص أخرى كثيرة كلها تثبت أن هذا الفرع لا يختلف في النتيجة عن الحركة القاديانية الأم في قاديان، وأنه كان يراوغ في إظهار معتقده نفاقاً وإيغالاً في خداع العامة، حتى إنه كان يوصي أتباعه في جزيرة مارشيس ألا ينشروا هناك أن الغلام نبي، وأن من لم يؤمن به فهو كافر؛ لأن هذا المسلك يضر بانتشار القاديانية ، أي ولكن ينشروا أنه مجدد، لتقريب وجذب المسلمين إليهم.
ومن أقوال هذا الفرع أيضاً: ((يا ليت أن القاديانية كانت تُظهر غلام أحمد بصورة غير النبي...ولو فعلوا هذا لكانت القاديانية دخلت في أنحاء العالم كله)) .
وبهذا يتضح أن هذا الفرع أمكر وأكثر احتيالاً لنشر القاديانية، وهو الذي أتيح له التوغل في العصر الحاضر إلى أقصى البلدان الإسلامية في آسيا وفي أفريقيا.
وقد قام محمد علي بنشاط كبير في عرض القاديانية. ولعل من أهم أعماله ترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية ؛ حيث ملأها بالأفكار القاديانية، مما جعل الكثير من الناس يقعون ضحية تلك الأفكار ظانين أنها ترجمة رجل مسلم، لقد اتجه هذا الرجل في تفسيره للقرآن وجهة خطيرة لم يتورع فيها عن الكذب والتعسف ومخالفة أهل العلم واللغة والإجماع، وإنما فسره بمعان باطنية، فيها التركيز على إنكار الإيمان بالغيب وبالقدرة الإلهية، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها على سبيل المثال:
قوله تعالى لموسى: (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً) أي أن الله أمر موسى بالمسير إلى جبل فيه اثنتا عشرة عيناً.
(ورفعنا فوقكم الطور) ؛ أي كنتم في منخفض من الأرض والجبل يطل عليكم.
(فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) ؛ أي مسخت قلوبهم وأخلاقهم.
(أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله) المراد بالطير هنا استعارة؛ أي رجال يستطيعون أن يرتفعوا من الأرض وما يتصل بها من أخلاق وأشياء، ويطيروا إلى الله ويحلقوا في عالم الروح.
المراد باليد البيضاء التي أُعطي موسى أي الحجة، والحبال والعصي في قوله تعالى: (فألقوا حبالهم وعصيهم) أي وسائلهم وحيلهم التي عملوها في إحباط سعي موسى .
وفي قوله تعالى: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض..) الآية: دابة الأرض: هو رجل اسمه رحبعام بن سليمان الذي تولى الملك بعده، وسمي دابة الأرض لقصر نظره؛ إذ كان لا يجاوز الأرض.
والمنسأة التي هي العصا كناية عن ضعف الحكومة وانقراضها.
والجن: شعوب أجنبية بقيت في حكم بني إسرائيل إلى ذلك العهد.
وهدهد سليمان: هو إنسان كان يسمى الهدهد وكان رئيس البوليس السري في حكومة سليمان.
وقد تلاعب بمعاني القرآن الكريم على هذا التفسير الباطني الهزلي المملوء بالأكاذيب والخرافات، وقد تلقفه المسلمون –خصوصاً من لم يعرف العربية- بكل سرور، لعدم علمهم بأن تفسير محمد علي للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية، إنما يراد به هدم معاني الشريعة الإسلامية والمفاهيم الصحيحة، وقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه القادياني والقاديانية كثيراً من مثل هذا التلاعب بالقرآن للتحذير وإبراء الذمة .
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .