أحد زعماء طائفة الأحمدية |
تجمع يوم أمس الاثنين آلاف المسلمين أمام القصر الرئاسي في جاكرتا، مطالبين بحظر الطائفة الأحمدية، التي تعرف أيضا باسم القاديانية، بتهمة خروجها عن قواعد الإسلام، وصرح الأمين العام لمنتدى مسلمي اندونيسيا، أن هذا التجمع السلمي يهدف إلى تذكير الحكومة بما يجب عليها القيام به.
وكانت الحكومة الاندونيسية قد فرضت قيودا على الجماعة الأحمدية يوم أمس الاثنين، لم تصل إلى حد الحظر على نشاطها، وإنما اقتصر الحظر على بث أفكارها وتعاليمها، وذلك من خلال قرار صدر عن وزارتي الداخلية، والشئون الدينية، وأوضح المدعي الاندونيسي، هندرمان سوبانجي، أن القرار لا يعني حل الطائفة المثيرة للجدل، وذلك لأن الدستور الاندونيسي ينص على ضمان حرية العقيدة، ويبدو أن ما تدعيه هذه الفرقة، وخاصة المتعلق بأن آخر الأنبياء المرسلين، هو ميرزا غلام أحمد القادياني، مؤسس الطائفة، وليس النبي محمد، هو ما يثير أغلبية المسلمين في أكبر بلد إسلامي، كما أن القاديانية لا ترى في المرتد على الإسلام كافرا، كما أنهم يعتمدون كتابا مقدسا يسمى الكتاب المبين، ولا يقرون بقداسة القرآن، ويعتقدون أن جبريل هو الذي أنزل الوحي على ميرزا غلام أحمد.
تاريخ من الفتاوى التي تحظر الطائفة
يقدر عدد أتباع الطائفة في اندونيسيا بحوالي 200 ألف نسمة، وكانت قد دخلت إلى اندونيسيا عام 1925، من خلال طلبة إسلاميين درسوا في سومطرة، وانتشرت بقوة منذ عام 1932 مستغلة سيطرة هولندا على اندونيسيا التي لم تر مانعا في انتشار مثل هذه الطائفة، التي تمكنت بسرعة من التواجد في 181 مركزا حول البلاد. ويوجد في اندونيسيا نوعان من الأحمدية، وهما مجموعة لاهور الأحمدية، ومجموعة أخرى تطلق على نفسها جماعة المسلمين الأحمدية، حيث تعترف المجموعة الأولى بأن النبي محمد هو آخر الأنبياء، بينما لا تعترف الثانية بذلك.
وكان مجلس الأئمة المسلمين في اندونيسيا قد أفتى عام 1980، ثم جدد فتواه عام 2005 بأن هذه الجماعة غير مسلمة، وخاصة بعد أن ادعت بعض عناصر الطائفة الأحمدية بأنهم أكثر إسلاما من المجموعات الأخرى، وخاصة بعد انتشار التطرف الإسلامي المصحوب بالعنف، وانعكاس ذلك على الوضع الأمني في اندونيسيا، وخاصة بعد تفجيرات بالي الشهيرة.
تختلف التقديرات في عدد المنتمين للطائفة الأحمدية حول العالم، فهناك من ينزلهم إلى خمسة مليون، وهناك من يرفعهم إلى 200 مليون، ويبدو أن أكثر التقديرات دقة تجعلهم في حدود 10 مليون. وكانت الطائفة الأحمدية قد افتتحت العام الماضي أكبر مساجدها في لندن، والذي يسمى مسجد بيت الفتوح، وحضر حفل الافتتاح الزعيم الأعلى للطائفة، ميرزا مسرور أحمد، الذي يطلق عليه أتباعه اسم الخليفة الخامس، وقد أقيم المسجد على مساحة هكتارين في منطقة موردن بلندن، وهو يتسع لعشرة آلاف مصلي، مما يجعله أكبر مسجد في العاصمة البريطانية، بالرغم من رفض العلماء المسلمين سنة وشيعة، الاعتراف بأن هذا المبنى هو مسجد بالفعل.
من وزارة الخارجية إلى المحنة!
وكان البرلمان الباكستاني قد اعتبر في قرار له عام 1974 أن هذه الجماعة غير مسلمة، مما عرض أعضاءها لانتهاكات جسيمة، جعلتهم يفرون من باكستان إلى البلدان الأوروبية، وكان البرلمان الباكستاني قد اتخذ هذا القرار، بعد أن قاد أبو الأعلى المودودي حملة ضدهم باعتبارهم "منحرفون عن الإسلام"، بعد أن ارتفع شأن الجماعة بعد استقلال الباكستاني عن الهند، حيث كان أول وزير خارجية في تاريخ باكستان، ظفر الله خان من أتباع هذه الطائفة، ولكن البرلمان الباكستاني اعتبرهم دينا خاصا مثل الهندوسية، وهو ما سمح لهم بالبقاء في البلاد، ولكن دون الادعاء بأنهم من المسلمين، وكان مجمع البحوث الإسلامية بالجامع الأزهر، قد جدد فتواه باعتبار هذه الطائفة غير مسلمة، بالرغم من التعديلات التي أدخلها أتباع هذا المذهب على عقيدتهم، وخاصة مجموعة لاهور الأحمدية، التي تقر بأن النبي محمد هو آخر الأنبياء. وكانت رابطة العالم الإسلامي في مؤتمرها الذي عقد في مدينة مكة عام 1974، قد قررت أن طائفة الأحمدية طائفة غير مسلمة، وطالب المؤتمر المسلمين بمقاومة خطر هذه الطائفة، وأوصى المؤتمر بعدم دفن موتاهم في مقابر المسلمين.
وبالمقابل يعتبر أتباع القاديانية أن كل مسلم لا يؤمن بعقيدتهم غير مسلم، وهم لا يحجون إلى مكة والمدينة، وإنما إلى مدينة قاديان التي ولد وعاش بها مؤسس الطائفة في شمال الهند، وإليها يتجهون عند الصلاة.
المسيح والمهدي المنتظر!
تأسست الطائفة الأحمدية أو القاديانية عام 1889 في إقليم البنجاب بشمال الهند، على يد ميرزا غلام أحمد القادياني، الذي ادعى أنه المهدي المنتظر، والمسيح، ومجدد الزمان، وأنه جاء ليزيل عن الإسلام ما تراكم من غبار خلال القرون الماضية، ونادى بأن المرتد عن الإسلام ليس كافرا، وأمر بعدم محاربة القوات البريطانية التي كانت تسيطر على الهند، باعتبارهم ولي الأمر كما نص القرآن على ذلك، لذلك اعتبره البعض مجرد عميل لبريطانيا، وخاصة عندما نجح المهدي في السودان في طرد البريطانيين من البلاد. كما اعتبر أن مجيئه تنبأ به القرآن "سيأتي من بعدي نبي اسمه أحمد"، كما زعم أن الكتب السماوية السابقة على القرآن قد تنبأت بظهوره. والسؤال الآن هل تستمر الحكومة الاندونيسية في التمسك بالدستور العلماني، الذي ينص على ضمان حرية الاعتقاد والتعبد، أم أنها ستنحني لعاصفة المتشددين الإسلاميين؟
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .