تحريم الجهاد ، والموالاة للإنجليز وخيانة الحركات التحريرية الوطنية
أن القادياني طبع على الموهبة الصوفية ثم مارس التجارب الصوفية الرامية
إلى وحدة الوجود ، وتاه في متاهات الحيرة وضل الطريق واختل ميزان عقله .
ومن هنا جرت على لسانه كلمات هذيانية عرضنا طائفة منها ، وكذلك قلنا : أن
عائلته كانت دائما ً في خدمة الحكم البريطاني ، فالقادياني نفسه كان مدينا ً
للحكومة البريطانية بالفضل إلى أصدى الحدود . ولطننا مع ذلك لا نود
الإتهام بأن الإنجليز هم الذين أوحوا للقادياني بفكرة إنشاء الحركة
القاديانية ، بل نرى أن الإنجليز استغلوا هذيانه وخدماته السابقة لهم ،
ومعارضة العلماء له لتحقيق مصالحهم السياسية ، وكسب ما فشوا فيه بإجراءات
القمع والبطش والإرهاب والتي مارسوها لإخضاع المسلمين لنفوذهم . إن الشعور
بكراهية المسلمين للحكم الإنجليزي بسبب إنتزاعهم الدولة الإسلامية من
أيديهم ، وإيمانهم بالجهاد ضد المشركين والكفار ، وحماستهم له إلى أقصى
الحدود ودعوتهم له بكل الطرق والوسائل ومعاداتهم الشديدة لكل ما جاء به
الإنجليز ، سواء منه ما كان يتعلق بالثقافة والتعليم أو ما يتعلق بالإقتصاد
والشئون الأخرى كان عقبات هائلة في طريق تثبيت أقدام الإنجليز في الهند .
ومن هنا اتجهت نية الإنجليز إلى ضرب الإسلام في معقله وعلى أيدي أبنائه ،
أو على الأقل إيجاد الثغرات في عقائدهم الراسخة ، وخلق البلبلة الفكرية في
نفوسهم وزعزعة إيمانهم ، وتحطيم وحدتهم ، واللجوء إلى كل الوسائل التي
تساعد على صرف أنظارهم عن المسرح السياسي وإيقاعهم في الخلافات المذهبية
فيما بينهم حتى تتاح الفرص للإنجليز لالتقاد الأنفاس وتوطيد الحكم في
البلاد .
لقد وجد الإنجليز في الحركة القاديانية ما يحقق أغراضهم ونواياهم ،
ولذلك تقربوا إلى القادياني وجذبوه إليهم واغدقوا عليه نعيم الدنيا ،
وفتحوا له خزائن الدولة وعرضوا عليه عقد معاهدة الموالاة للإنجليز إلى
الأبد . ثم طلب إليه الإنجليز أن يعمل على القضاء على حماسة الجهاد لدى
المسلمين بالدرجة الأولى ، ثم حملهم على التعاون مع الإنجليز بل والموالاة
لهم والتعلق بأذيالهم كالعملاء المهجورين. .
لقد تعاهد القادياني على تحقيق كل طلبات الإنجليز وصدق وعده فكرّس شطرا ً
كبيرا ً من جهوده وجهاده في هذا السبيل حتى وفاته ، ثم ظل على هذا العهد
أتباعه وأنصاره وهم على ذلك حتى اليوم .
إن الاستعمار قلما يخلق شيئا ً جديدا ً لضرب أعدائه بل يستغل الأحداث
والتطورات لتحقيق مصالحه، وتغيير مجراه الإتجاه الحقيقي صوب أهدافه ونواياه
. ومن هنا نرى أن القاديانية لم يخلقها الاستعمار فحسب ، بل استغلها
واستمالها إلى جانبه ثم مولها لتحقيق أهدافه الإستعمارية الصليبية .
ووفق المعاهدة مع الإنجليز حاول القادياني القضاء على الحماسة للجهاد
بكل الطرق والوسائل وكل ذلك على ضوء الإصطلاحات الصوفية وأساليبها المسمومة
. لقد زعم أن تزكية القلوب وتنقيتها من الذنوب والمعاصي وأوساخ الدنيا
ينبغي عن طريق الرياضيات الصوفية الشاقة بما يسمى بالجهاد الأكبر ، وأما
الغزو العسكري بالسيف ضد المشركين فهو الجهاد الأصغر . أننا لسنا الآن وفي
مثل هذه الظروف الحرجة في حاجة إلى الجهاد بالسيف ، بل نحن في حاجة ملحة
إلى الجهاد الأكبر وإليكم ما أورده في هذا الصدد :
أيها الأعزاء ، اتقوا الخبير الديّان . فقد حل بنا جميع المصائب . وها
قد نزل المسيح من السماء وأتى الطاعون ، فإذا لم تتوبوا اليوم فمتى تتوبون ؟
فاعلموا أن هذا وقت رفض الكبر والخيلاء . وليس وقت الرعونة والغفلة
والإستهزاء . وأن الله غضب غضبا ً شديدا ً على الذين رضوا بعيشة الغفلة
وآثروا الدنيا وزينتها ولا يؤمنون إلا بالسنة .
فإني أذكركم بأيام الله ، فاتقوا الله يا ذوي الفطنة . وليس هذا وقت
الغزو وتقلد الرماح والمرفهات . بل أمرني ربي يا معشر هذا الأمة أن
تتقلدوا بسلاح التوبة والعفة . فإن النصرة كلها في هذه العدة . وأن الأرض
ملعونة وممقوتة من كثرة الخطايا وترك الله والتمايل على الخزعبلات. وليس
الوقت وقت السيوف والأسنة . بل أوان تزكية النفوس . (1)
وبعد إلغاء فكرة الجهاد ومحاولة محوها من قلوب أتباعه دعا إلى موالاة
الإنجليز والدفاع عنهم في كل المناسبات ، وأثنى عليهم ثناء ً بالغا ً ،
وجعلهم ظل الله في الأرض ورحمة الله من السماء .
وإليكم مقتطفات من أقواله في موالاة الإنجليز وهي تدل على التعليق
بأذيالهم ولا يسعنا إلا أن نقول إنها في غاية الحقارة والذلة . والإنحطاط
والسفالة .
_____________
1- ينبغي لي أن أقول لكم قبل كل شئ : إنني أنتمي إلى تلك الأسرة التي
اعترفت الحكومة البريطانية ــــ منذ مدة طويلة ــــ بأنها صديقة ومتمنية
للخير والسعادة للحكومة البريطانية من الدرجة الاولى ، وكان والديّ وأفراد
أسرتي كلهم من راغبي الخير للحكومة البريطانية العظمى بكل جوارحهم ،
وأوفياء مخلصين لهم من صميم قلوبهم كما اعترف بذلك مسئولوا الحكومة
الإنجليزية المحترمون وصرحوا بأن هذه الأسرة من مريدي الحكومة البريطانية
العظمى. وهذه الإعترافات كلها مسجلة في الوثائق الرسمية.
لذلك أعمل بحرارة قلبي في خدمة هذه الحكومة وأعلن عن منافع هذه الحكومة
وإحساناتها أمام الناس كما عمل من قبل أبي وأخي . وأفرض عليهم الخضوع لهذه
الحكومة وطاعتها طاعة كاملة . (1)
2- إنني أنتمي إلى تلك الأسرة التي تتمنى للحكومة البريطانية كل الخير
والسعادة . لقد كان والدي ـــ مرزا غلام مرتضى ـــ رجلا ً وفيا ً صديقا ً
محبا ً مخلصا ً للحكومة البريطانية لقد خصصت له الحكومة كرسيا ً للجلوس في
كل الحفلات الرسمية إلى جانب الحاكم البريطاني . فقد ساعدهم والدي مساعدة
كبيرة في قمع تمرد 1857م ( يقصد الثورة الوطنية الكبرى ضد الإنجليز ) ومدهم
بخمسين فارسا ً مسلحا ً لضرب الثوار . ولذلك تدفقت على والدي رسائل الشكر
والإمتنان من قبل الحكام . وكذلك ساندهم والدي في المعارك الأخرى التي
خاضها المتمردون ( يقصد الأحرار الوطنيون ) ضدهم . (2)
3- ولما توفى والدي ناب عنه أخي الكبير مرزا غلام قادر في خدمة الحكومة
البريطانية . فشملته الحكومة هو الآخر بعنايتها وإكرمها وفضلها وجوائزها
كما صنعت من قبل مع والدي . ولما توفى هو الآخر اقتفيت آثارهما وسكلت
مسلكهما في إعلان الحب والواء للحكومة والطاعة لها وخدمتها . إنني كنت أعيش
في هذه الأيام عيشة العزلة ، ولم أملك قدرا ً كافيا ً من المال ، إلا إنني
كرّست جهودي كلها في خدمة الإنجليز من كل قلمي وعون الله سبحانه . وقد
عاهدت الله منذ ذلك الحين على أنني لم أكتب شيئا ً ضد هذه الحكومة ، بل
أذكر في جميع كتبي منن قيصرة الهند ( يقصد الملكة البريطانية في عصره )
ووجوب طاعتها له . (3)
يبدو لنا من خلال هذه النصوص أنه أخذ على نفسه ـــ قبل تنصيبه نفسه
المسيح الموعود ـــ خدمة الأنجليز ومعارضة فكرة الجهاد والكفاح ضد الإنجليز
أسوة بأبيه وأخيه في هذا المجال . وسائرا ً في ركابهما في ارتكاب جريمة
الخيانة ضد الوطن والمواطنين ومنفذا ً لخططها بكل وفاء وإخلاص ، وكل ذلك
دون تلقيه إيحاءات من الإنجليز ومحاولتهم أعداده للإدعاء بأنه المسيح
الموعود لتحقيق أغراضهم السياسية . وإلى ذلك يشير قوله :
_____________
(1) الرسالة التبليغية لميرقاسم على القادياني 7/8 ـــ 11 .
(2) كتاب البرية ـــ الإعلان بتاريخ20/9/1897 ص 3 .
(3) نور الحق للقادياني 1/28
كنت معتزلا ً في زاوية من الزوايا بعيدا ً عن المجتمع ، ولم أكن في حالة
اليسر في ذلك الحين ، ولم أملك شيئا ً من المال . وع ذلك فرضت لعى نفسي
منذ ست عشرة سنة دعوة قومي إلى الطاعة الوخضوع للحكومة البريطانية وأن
يتمنوا لها الخير والسعادة . ولهذا السبب أخذت على نفسي تحريم القتال ضد
هذه الحكومة في كل مقالاتي وكتبي . (1)
ثم استخدمته الحكومة البريطانية ـــ بعد دراستها لمواهبه الصوفية في
تضليل المسلمين وبعد ظهور دعوته المهدية التي يمكنه بواسطتها إسداء خدمات
جليلة للإنجليز ـــ واختارته لخدمتها ، ومولت حركته بمال وعتاد بكل سخاء ،
ووقفت إلى جانب حركته بكل قوة تشجعها وترد عنها الكيد . لقد القادياني
وعده في خدمة الإنجليز أسوة ً بأبيه وأخيه وأفراد عائلته كلهم ، فظل وفيا ً
مخلصا ً لها حتى الموت . وإليكم ما أورده في هذا الصدد : " إني من أول
عهدي من عمري إلى هذا الوقت ــــ وهو قرابة ستين عاما ً ـــ أواصل جهودي
بلساني وقلمي لجذب قلوب المسلمين نحو الحكومة البريطانية العظمى ، كما أبذر
في قلوبهم بذور الحب الصادق والصداقة المباركة والمشاركة في الإحساس مع
الحكومة البريطانية. كما أبعد وأزيل من قلوبهم ما تعلق بها من عقيدة الجهاد
الخاطئة ، تلك التي تعكر الصفاء ، وتضع العقبات في طريق العلاقات الودية
والوفاء والإخلاص للحكومة البريطانية . وقد كللت جهودي كلها في هذا السبيل
بنجاح باهر ، لأن مؤلفاتي أثرت في قلوب المسلمين تأثيرا ً بالغا ً وحدث
تغيير جذري في قلوب آلاف المسلمين " . (2)
ويضيف قائلا ً : لقد خطوت أكبر مرحلة من حياتي في نصرة الدولة
البريطانية والدفاع عنها وقد ألفت كتبا ً كثيرة أحرّم فيها الجهاد ضدها ،
ووجوب الطاعة والخضوع لها . لو جمع كل ما كتبته في هذا الصدد لبلغ خمسين
كتابا ً ، ووزعت هذه الكتب كلها في جميع أقطار العالم مثل : الجزيرة
العربية والشام ومصر وكابل ( عاصمة أفغانستان ) وبلاد الروم ( يقصد تركيا )
. (3)
ولم تقتصر جهوده على مساندة الإنجليز في هذه الأمور كلها ، بل كذلك عمل
جادا ً مخلصا ً للقضاء على كل محاولة سعى إليها المسلمون لإشعال الثورة ضد
المستعمرين الطغاة . ولما حاولت الحكومة البريطانية إعطاء التطعيم ضد
الكوليرا ، ثار المسلمون ضد التطعيم وثار علماؤهم ، واستغل السياسيون
المسلمون هذه الفرصة لإثارة المسلمين ضد الحكم البريطاني ، ولكن القادياني
بادر في الحال قاصدا ً إخماد هذه الثورة . وإليكم ما أورده في هذا الصدد :
" لا جناح على الحكومة البريطانية ، لأنه اختارت ذلك ( أي التطعيم )
بصحة النية ، بعد التجرية الكثيرة ، وبذل الأموال لدفع هذا المرض أكثر مما
تبذله الدول الأخرى ، ولاسيما في مثل هذه الظروف الصعبة وفي سبيل إنقاذ
الرعية . ولا يصح اي نقد أو طعن ضد الحكومة في هذا الأمر .
_____________
(1) الرسالة التبليغية لميرقاسم على القادياني 3/193 .
(2) الرسالة التبليغية 7/10 .
(3) ترياق القلوب لمرزا غلام أحمد القادياني ص 15
قد جرت عادة هذه الحكومة في العمل على توفير أسباب الراحة بالجد والحزم.
وقد أخذت على نفسها رعايتهم كالأبناء ، ولا ترضى بأمر في مظنة الإيذاء .
ولذلك وجب شكرها بما تقدمه في مساعدة الأمهات لأولادهن . أين تجدون مثل هذه
الحكومة ؟ فابحثوا في الأقطار والجهات .. إنني أرى أن كل عاقل يثني عليها
لمنتها عليه ويفديها بمهجته ، وذلك تقديرا ً لإحسانها وكثرة حسناتها .
فالحمد لله على هذه النعمة .
ولذك وجب على كل مسلم ومسلمة تقدير الشكر لهذه الحكومة، لأنها تحفظ
نفوسنا وأعراضنا وأموالنا بالسياسة الحكيمة والإتصاف والعدل . ولذا حرام
على كل مؤمن مقاومتها بنية الجهاد. وما هو جهاد بل هو أقبح انواع الفساد .
وهل من شأن فتوة الإسلام تعويض إحسان المحسن بالحسام . (1)
لقد قلنا : أن القادياني مارس حياة العزلة في فقر وبؤس في مستهل حياته
الصوفية . ولكن الإنجليز سرعان ما فتحوا له المال وأغدقوا عليه الجوائز .
فتحولت حاله من العسر إلى اليسر ومن البؤس إلى الترف ومن الفقر إلى البذخ
والتبذير . وإلى ذلك يشير كلامه : " لقد كنت غريبا ً في زوايا الخمول
والكتمان . فكتب الله لي القبول بعد طول من الزمان . وأتت إليّ الأموال
والتحف من الديار البعيدة والبلدان الشاسعة . فامتلأت داري منها كما تمتلئ
الثمار في غصون البستان. فوالله لا أستطيع إحصائها وأطيق وزنها ، ولا أقدر
على وصفها الألفاظ وقد تمت كلمة ربي صدقا ً وحقا ً يعرف هذا الأمر ألوف من
الرجال والنساء والصبيان . (2)
_____________
(1) مواهب الرحمن ص 25
(2) مواهب الرحمن ص 55
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .