قال الإمام مسلم حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني يحيى بن جابر الطائي، قاضي حمص، حدثني عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي، أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي، ح وحدثني محمد بن مهران الرازي - واللفظ له - حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان tقال: ذكر رسول الله r الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: "ما شَأْنُكُمْ ؟" قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ... وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ... فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ... ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ... فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ..." الحديث.
تخريج الحديث:
· أخرجه مسلم في "صحيحه" في الفتن وأشراط الساعة (4/2207/ح 2937
معاني المفردات:
يَرْغَب: رغب، تأتي بمعنى الطلب، والإرادة، قال ابن الأثير: "يرغب رغبة إذا حرص على الشيء وطمع فيه. والرغبة السؤال والطلب"([1]).
الدراسة الموضوعية:
استدل القاديانيون بهذا الحديث، على إمكانية نزول نبي بعد محمدr .
وجه الدلالة: قالوا: نزول عيسى u، والتصريح أنه نبي بعد وفاة النبي r، مما يدل على إمكانية وجود نبي بعد بعده، وقد ذُكِر في الحديث في أربعة مواضع، هي: "...وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ... فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ... ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ... فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ..."
ثم ادعى– الغلام ميرزا أحمد- أنه هو المقصود بعيسى ابن مريم؛ لأن عيسى ابن مريم قد مات موتاً حقيقياً([2]).
يتلخص من هذا أن الغلام ميرزا، له في هذا الحديث، عقيدتان:
الأولى: أن نزول عيسى ابن مريمu ، يدل على إمكانية خروج نبي بعد محمد r([3])، وهذه العقيدة داخلة ضمن حدود البحث.
الثانية: ادعى الغلام ميرزا، أنه هو المقصود بعيسى بن مريم u، وله في ذلك أقوال، وأحوال، وخرافات، لا يصدقها إلا قليل عقل وعلم، ووجه هذه العقيدة، أنه يرى أن عيسى u النبي، قد مات حقيقة، وأدلة نزول عيسى u، الكثيرة، تدل على أن هناك شخصاً شبيهاً بعيسىu، سوف يخرج([4])، وهناك نصوص كثيرة للغلام ميرزا يوضح فيها مذهبه، منها قوله: "دعواي، إني أنا هو المسيح الموعود الذي أُخبر عنه في جميع الكتب السماوية بأنه يظهر في آخر الزمن"([5])، وهذه العقيدة وإن كانت لا تدخل ضمن حدود البحث دخولاً أولياً، إلا أنه لابد من التنبيه عليها ولو بإيجاز.
الرد على العقيدة الأولى: وهي أن نزول عيسى ابن مريمu ، يدل على إمكانية خروج نبي بعد محمد r، من وجوه عديدة هي:
الوجه الأول: أن عيسىu، نبوته كانت قبل نبوة النبي r، وإنما نزل آخر الزمان، عَلَماً للساعة، كمال قالU:﴿ISãPVTßXM Wè cØ<ÕYÅVÖ YàWÆQW©ÕPYÖ ðTWTÊ UfûS£WT`ÙWT WäY X&ÜéSÅYPVT@ Wè W¡HTWå b·.W£g² cØ~YÍWTT`©QSÚ (61)﴾. سورة: الزخرف، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة y: ﴿ISãPVTßXM Wè cØWÕWÅVÖ YàWÆQW©ÕPYÖ﴾، بفتح اللام والعين([6])، أي: أمارة وعلامة، ومعنى قوله تعالى: ﴿ISãPVTßXM Wè cØ<ÕYÅVÖ YàWÆQW©ÕPYÖ﴾، أي عيسى u، وبهذا فسرها ابن عباسt حبر الأمة وتُرجمان القرآن([7]).
و قد اختلف العلماء في بيان الحكمة من نزول عيسى u آخر الزمان، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فبين الله كذبهم، وأنه يقتلهم ويقتل الدجال الذي اتبعوه معهم.
القول الثاني: أن نزوله كان لدنو أجله، ليدفن في الأرض.
القول الثالث: أن عيسى u، لما رأى صفة محمدr، وأمته دعا الله U، أن يجعله منهم.
وقد نقل هذه الأقوال الحافظ ابن حجر، ورجح الأول([8])، والله أعلم.
وقد سبق الحديث عن نزول عيسى u، ونقل الإجماع على ذلك في المبحث التاسع من الفصل الأول ([9]).
الوجه الثاني: أن هذا القول غريب!، لم يقل به أحد من السلف، أو حتى العلماء المتأخرين، ودونك شُرَّاح الأحاديث، وكتب العلماء، فمن منهم ذكر هذا القول، أو حتى جعله ضمن الاختلاف المعتبر بين المسلمين؟!؛ فإذا لم يكن هذا موجوداً، فهو من دلائل بطلانه، وفساده.
الوجه الثالث: لا يوجد ما يدل على أن عيسىu، عندما ينزل من السماء يكون معه وحي جديد، ولا شريعة جديدة، بل ثبت أنه يصلي مع المسلمين، صلاة محمدr التي شرعها لأمته؛ مما يدل على أنه يحكم بشريعة محمدr، وبناءً على ذلك لا يرد السؤال عن انفضاض خاتم النبوة بنزوله([10]).
الرد على العقيدة الثانية: وهي ادعاء الغلام ميرزا، أنه المقصود بعيسى بن مريم u. وهذا الرد من وجوه عديدة.
الأول: أن هناك فروقاً بين عيسىu ، والغلام القادياني، أكثر من ثلاثين خاصية كلها وردت في الأحاديث النبوية([11]). منها:
1. أن عيسى u كآدم u، خلق من غير أب([12]).
2.أنه نبي ورسول بالنص القطعي، من الكتاب والسنة.
3. إنه كلمة الله وروحه بالنص القطعي من القرآن.
4. أنه ينزل من السماء عند المنارة البيضاء بالشام.
5. يكسر الصليب.
6. يأمر بقتل الخنزير.
7. يقتل الدجال.
8. يمكن في الأرض أربعين سنة ثم يموت، وقيل غير ذلك.
9. من صفاته أنه مربوع .
وغيرها([13])، فأين المسيح القادياني من هذه الأوصاف؟!
الوجه الثاني: أن الأمة مجمعة على أن عيسىu ، سوف ينزل آخر الزمان، وعليه فقولهم هذا يخالف ما عليه إجماع المسلمين، من أن عيسىu ، الذي ينزل آخر الزمان هو ابن مريم، وليس غيره.
الوجه الثالث: القول الصحيح أن عيسىu ، لم يمت بل رفعه الله إليه([14])، وعلى فرض القول بأنه مات حقيقة، فما الذي يمنع أن الله يبعثه للحياة مرة أُخرى([15])، فهذا القول أولى من الجنوح إلى هذه العقيدة الفاسدة – أن الغلام الميرزا هو عيسى u- التي أغرقت أصحابها بالتفسيرات الرمزية، الباطلة. والله أعلم.
([1]) ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/237)، "مجمل اللغة" (1/388)، "تاج العروس" (2/509).
([2]) ينظر: "القول الصريح في ظهر المهدي المسيح" لنذير أحمد ص(192)، "ماذا تنقمون منا" لهاني طاهر ص(31).
([3]) ينظر: "ماذا تنقمون منا" ص(44).
([4]) ينظر: المصدر السابق، ونفس الصفحة.
([5]) ينظر: "تحفة كولة" للغلام ميرزا، ص(195)، نقلاً عن "القاديانية دراسات وتحليل" ص(199).
([6]) ينظر: "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر" ص(496).
([7]) ينظر: "جامع البيان" (21/631)، "تفسير ابن أبي حاتم" (10/3284/ح18511).
([8]) ينظر: "فتح الباري" (6/493).
([9]) ينظر: صفحة(218).
([10]) ينظر: "ختم النبوة في ضوء الكتاب والسنة" ص(49).
([11]) من جهود العلماء في الرد على هذه الافتراءات، كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" الفه العلامة محمد أنور شاه الكشميري، بلغ فيه حوالي خمسة وسبعين حديثاً، ومع الآثار تجاوزت المئة.
([12]) من العجائب والغرائب، أن يدعي الغلام ميرزا الكذب والافتراء بشكل لا يصدقه إلا من لا عقل له، أو صاحب هوى، فقد قال عن نفسه: "انا جعلت مريم وبقت مريماً سنتين، ثم نُفِخ فيّ روح عيسى كما نُفِخ في مريم، وحبلت بصورة الاستعارة، وبعد أشهر لم تتجاوز عشرة أشهر حُوِّلت عن مريم وصيرت عيسى وبهذا الطريق صرت مريم". ينظر: "سفينة نوح" للغلام ميرزا، ص(16)، كيف يُصَدَق من هذه حاله وخيالاته.
([13]) ينظر: "براءة الملة الإسلامية من افتراءات وأضاليل الفرقة الأحمدية" ص(210) فما بعده .
([14]) ينظر: المصدر السابق ص(171) فما بعد، و"الأصول الذهبية في الرد على القاديانية" ص(428).
([15]) ينظر: "ختم النبوة في ضوء الكتاب والسنة" ص(46).
تم التطوير باستخدام نظام مداد كلاود لإدارة المحتوى الرقمي بلغات متعددة .